بعد أن طالعت بيان الرئيس المعزول محمد مرسى تأكدت من شيئين: الأول هو أن الاستعباط أصبح منهجا فى حياة تنظيم الإخوان بعد أن كان ظاهرة فحسب، والثانى أن هذه الجماعة انتقلت من مرحلة الاتجار بالدماء إلى مرحلة استعذابها، وقد كتبت منذ أيام مقالا بعنوان «طبائع الاستعباط.. فصل الشعب عامل إيه يا أم أحمد»، وقلت إنه لو كان المفكر العربى الرائد «عبدالرحمن الكواكبى» حيا لكتب كتابا جديدا على غرار كتابه القديم «طبائع الاستبداد» مع تغيير بسيط فيه بإبدال كلمة «الاستعباط» بكلمة «الاستبداد»، ذلك لأن الجماعة بعد أن هشم الشعب أنيابها وطردها من جنة ثقته ونزع عنها سلطانها لم تجد منفذا لممارسة الاستبداد المعتاد، فلجأت إلى الاستعباط القمىء، وكأنها تظن أن الشعب مازال فى غفلته، وأنها تلك الجماعة المسكينة المستضعفة التى يحاربها النظام، متغافلة عن أنها تولت الحكم فظلمت، وتحكمت فاستبدت، وملكت فأفسدت.
البيان الذى خاطب فيه مرسى الشعب قائلا: «أيها الشعب الكريم»، متجاهلا أنه أهدر كرامة هذا الشعب داخليا وخارجيا، جاء مليئا بالمتناقضات والمغالطات التى أدخلت من البوابة الملكية لقصر الاستعباط المنيف، فقد ادعى الرئيس «أبو شرعية» أن ما حدث فى 30 يونيو هو انقلاب عسكرى مستوفى الأركان، والحقيقة التى لا يريد مرسى أن يقتنع بها أن الشعب هو الذى استقوى بالجيش بعد أن رأى رئيسه «المنتخب» يستقوى بعصابته، وأن مرسى وأتباعه هم الذين انقلبوا على الشعب وعلى الديمقراطية متخيلين أن الساحة خلت لهم، مكرسين لأخلاق العصابات وأفعال العصابات، ولم يكتف مرسى بهذا الاستعباط «العبيط»، بل ذهب ليدعى أن الجيش المصرى خالف القوانين الخاصة بتنظيم وتحريك القوات، مدعيا أنه خالف الله ورسوله، وخان القسم الذى أقسمه، وفى الحقيقة فإن من خالف قوانين تحريك الجيش المصرى وتنظيمه هو مرسى ذاته، فهو الذى أمر الحرس الجمهورى بقتل أبناء الشعب المصرى، وهو الذى أراد أن يجعل جيشنا العظيم مجرد مليشيات تابعة للجماعة، ونسى أن قادة الجيش المصرى وضباطه وجنوده قد أقسموا قبل أن يأتى مرسى وأبضاياته على الحفاظ على الشعب والوطن وسلامة أراضيه، وبهذا يكون الجيش هو الذى بر بقسمه بينما يبقى مرسى كاذبا كما عهدناه، لكن الظريف فى الأمر هو ادعاء مرسى أن الجيش خان الله ورسوله، وكأن مجرد مخالفة أمر مرسى بسفك دماء المصريين هى خيانة لله ورسوله، وهو ما أعتبره ازدراء أديان وإساءة للإسلام والرسول على حد سواء، ولو كنت مكان النائب العام لحلته فورا للتحقيق على هذه الجريمة الفاحشة.
يمضى مرسى فى بيانه المعتوه ليدعى أن استجابة الجيش للشعب أوقعت الفرقة بين المصريين، متناسيا أن مصر لم تشهد انقساما وفرقة بقدر ما شهدت أثناء حكم مرسى «الزياط»، فهو الذى قال: «إيه يعنى لما شوية يموتوا عشان شوية يعيشوا»، وهو الذى جعل من أتباعه وجماعته سادة على الشعب المصرى دون وجه حق، مرسخا لعنصرية جديدة على الشعب المصرى ومفتتا وحدة هذا الوطن الاجتماعية بزرع أسس الطائفية والفئوية والفاشية الجديدة، ولم يكتف هذا الرئيس «أبوشرعية» بهذا، بل سعى إلى مزيد من الانقسام حتى وهو بين جدران السجن، محرضا أتباعه على سفك مزيد من الدماء فى سبيل رجوع الكرسى، وبرغم ما حمله هذا البيان من استعباطات مقززة، لكن المهم فى الأمر أنه أثبت بما لا يدع للشك منفذا أن جماعته كاذبة كعادتها، وأن صحف الجماعة وفضائياتها الخارجية ومواقعها الإلكترونية تكذب دون أن تتجمل، فقد قال مرسى إنه لم يقابل عسكريين أبدا، ولم يلتق بأى زيارة غير الزيارات التى أعلن عنها رسميا، وبذلك يكذب جماعته وآلتها الإعلامية التى ادعت سابقا عبر موقع رصد المشبوه أنه التقى قادة عسكريين، وأعلنوا عن توبتهم عما أسموه بالانقلاب، لتنقلب الصورة فى آخر الأمر ويصبح الاستعباط عبطا خالصا.