أنعشت زيارة وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين لمصر ذكريات الماضى عن العلاقة بين موسكو والقاهرة، ذكريات عن مرحلة كانت مصر تبنى فيها نفسها بإرادتها المستقلة.
فى أحاديث الذكريات هناك مذكرات لمسؤولين مصريين فى الخمسينيات والستينيات، أما عن مذكرات الروس «السوفيت» سابقا، فتجد منها كتابا أصدره «المركز القومى للترجمة» العام الماضى بعنوان: «ذات يوم فى مصر»، ويروى المساعدات العسكرية السوفيتية لمصر لمواجهة قوة إسرائيل العسكرية، وكتبه عسكريون ومترجمون روس جاءوا إلى مصر للمشاركة فى مرحلة حرب الاستنزاف وبناء الدفاع الجوى. يعرض الكتاب ذكريات هؤلاء عن الأحداث التى شاركوا فيها، ويتحدثون عن المشاكل التى واجهتهم نتيجة اختلاف العادات واللغة والمناخ والتقاليد التى كانت سائدة فى الجيش المصرى وقتئذ، وبالرغم من أن الكتاب لا يخلو من وجهات نظر نقدية، ورؤية تعارض حرب الاستنزاف التى شنتها مصر ضد إسرائيل، إلا أن كل من سجل شهادته يحمل تقديرا خاصا للشعب المصرى، وتقديرهم للقيادة المصرية والقوات المسلحة، وأن الفترة التى قضوها فى مصر تمثل صفحات خالدة ستبقى دائما فى ذاكرة من حارب على الأرض المصرية ضد إسرائيل. فى هذه المرحلة كانت هناك خسائر فى الأرواح بين الروس، وطبقا لكتاب الذكرى الذى أصدره معهد التاريخ العسكرى التابع لهيئة الأركان الروسية فإن عدد من قتل من «السوفيت» أثناء حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر يبلغ 43 فردا من الضباط والجنود والمستشارين والمترجمين وقدمت قائمة شرف بأسمائهم، إلا أن قائد كتيبة الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات الجنرال بوبوف يرى أن هذا الرقم غير دقيق، حيث أنه يعرف أسماء بعض من قتلوا ولم ترد أسماؤهم فى هذا الكتاب، وهو يرى أن عدد القتلى يقترب من الستين.
يأتى فى مقدمة الكتاب التى كتبها مترجمه «على فهمى عبدالسلام» شهادة من الفريق سعد الدين الشاذلى عن حجم المساعدات العسكرية لمصر فى مؤلفه: «حرب أكتوبر»، قائلا، إن حجم الأسلحة التى كانت تحت يد الجيش المصرى صبيحة السادس من أكتوبر 1973 كان يفوق ما لدى الكثير من دول حلف وارسو، ويذكر أن قواتنا البرية كانت تتفوق على كل مثيلاتها فى فرنسا وانجلترا، وكانت مجهزة بعدد 1700 دبابة، و2000 مدرعة، و2500 مدفع هاون و700 قاذف صاروخى موجه، و1900 مدفع مضاد للدبابات و5 آلاف آر بى جى وعدة آلاف من القنابل اليدوية المضادة للدبابات، أما القوات الجوية فكانت مسلحة بعدد 305 طائرات مقاتلة و70 طائرة نقل و140 طائرة هليكوبتر، أما قوات الدفاع الجوى فكان لديها 150 كتيبة صواريخ و30 قارب طوربيد، و14 كاسحة ألغام.
فى خلال الحرب قام الاتحاد السوفيتى بإقامة أكبر جسر جوى فى تاريخه الحربى إلى مصر وسوريا خلال تنفيذ 900 رحلة جوية بواسطة طائرات إنتنوف 22 نقل خلالها 1500 طن من المعدات الحربية إلى الدولتين.
فى إحدى الشهادات يتحدث مبعوث خاص لوزير الخارجية السوفيتى جروميكو عن مقابلة له مع جمال عبدالناصر لإقناعه بوقف حرب الاستنزاف وأثناء المناقشة قال له عبدالناصر: «يمكن أن تنطلقوا من أن مصر تريد أن تعيش فى سلام مع إسرائيل ولكن طبعا إذا كانت إسرائيل سوف تحترم حقوق العرب التاريخية، أنا رجل سلام رغم أننى اضطر كثيرا للانشغال بأمور الحرب.