فى التفاصيل تأتى الشياطين، هذا ما يمكن قوله فى المبادرة التى أطلقتها جماعة الإخوان وحلفاؤها أمس الأول لإجراء مصالحة، فنحن أمام عنوان كبير اسمه: «مبادرة للحوار»، لكن بمجرد ذكر التفاصيل تصل إلى نتيجة ليست كذلك.
فى الكلام الذى قيل، أن المبادرة تأتى فى إطار الشرعية الدستورية، وهى ما يعنى عند جماعة الإخوان عودة العمل بالدستور الذى يتم تعديله الآن، وعودة مجلس الشورى، وعبر عن هذا صراحة الدكتور على بشر بقوله: «مازلنا مصرين على مطالبنا بعودة المؤسسات التى تم حلها قبل 30 يونيه، وأنه سيتم إبلاغ الدكتور محمد مرسى بنتائج مبادرة الحوار لأنه جزء أصيل من تلك المبادرة».
وفقا لهذا الكلام، نحن أمام مناورة وليست مبادرة، وأمام شروط لا يمكن الدخول بها إلى حوار مثمر يؤدى إلى نتائج حقيقية، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا أطلقت الجماعة هذه الطلقة؟.
تخطو الجماعة خطواتها وسط تحولات مضادة لها محليا وإقليميا ودوليا، فى العامل الداخلى، أصبحت مظاهراتها محدودة، ولم تعد مؤثرة شعبيا، كما أن إصرار المصريين على مقاومتها يؤكد على لفظها شعبيا، أضف إلى ذلك أن اللعب بورقة المظاهرات الطلابية أصبح باهتا، ولم يؤد إلى السيناريو الذى كانت تطمح إليه بوقف الدراسة فى الجامعات، كما أن العمليات الإرهابية التى نشطت بعد ثورة 30 يونيه تم امتصاصها بضربات أمنية ناجحة، كما أن الجماعة شاءت أم أبت هى التى تتحمل المسؤولية عنها أمام الشعب المصرى، لأنها توفر الغطاء السياسى لها.
وفى المقابل فإن لجنة الخمسين التى تواصل عملها فى تعديل الدستور على وشك الانتهاء منه، وتعطى مؤشرات إيجابية حتى الآن فى نصوص التعديلات، وهو ما يعنى أن خريطة الطريق تمضى فى طريقها رغم أنف الإخوان، وأمام هذه التطورات فإنه لم يعد أمام الجماعة وحلفائها غير البحث عن أفق غير الذى سارت عليه منذ 30 يونيه.
التطورات المحلية يواكبها تطورات دولية وإقليمية، فعلى الصعيد الدولى لم تعد أمريكا حليفا للإخوان كما كانت، فبعد أن دخلت روسيا على الخط، تنشغل أمريكا الآن بكيفية الحفاظ على نفوذها لدى مصر، ولأول مرة منذ سبعينيات القرن الماضى تملك مصر أوراقا للمناورة فى هذا المجال، أوراقا ليس فيها ورقة أمريكية اسمها «الإخوان»، وإن طرحتها الإدارة الأمريكية فهناك ورقة مقابلة هى «الروس قادمون»، ويدخل العامل الإقليمى فى هذا النطاق، فالجماعة التى ظنت وحلمت برفع الغطاء العربى عن ثورة 30 يونيه عبر ضغوط دولية على دول الخليج، اكتشفت أن دول الخليج باستثناء قطر كان لها اليد العليا فى مساندة إرادة الشعب المصرى بعد ثورة 30 يونيه، وبالتالى خسرت «الجماعة» حلفاءها المحتملين، ولم يعد لديها أوراق دولية وإقليمية.
يمكن قراءة مبادرة «الجماعة» فى هذا السياق، غير أنه فى الوقت الذى تحاول فيه لملمة نفسها، بإطلاق مبادرتها، تفتقد قراءة صواب الواقع، والشاهد على ذلك شروطها التى تسير ضد التيار، وليس أدل على هذا أكثر من قولها بأنها تتمسك بـ«الشرعية الدستورية» أى إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 30 يونيهيونيه.
فهل ينفع بعد ذلك الحديث عن مبادرات تطلقها الجماعة على هذا النحو؟