لكل شهيد من شهداء ثورة يناير وما بعدها قصة، فى القائمة أسماء مثل محمد جابر صلاح الشهير بـ«جيكا»، الحسينى أبوضيف، محمد حسين كريستى، محمد الجندى، محمد الشافعى، عمرو سعد، وغيرهم، شباب خرج مصمما على استكمال ثورته، ولما جاءت لحظة قطف الثمرة بثورة 30 يونيو، كانوا معنا بأرواحهم، تنادينا عيونهم كلما نظرنا إلى صورهم، هكذا يبدو سحر الشهداء وسرهم.
فى ذكرى أحداث محمد محمود التى قدمت دفعة من الشهداء للثورة، يأتى السؤال: هل حققنا أحلام الشهداء بوطن حر وعادل؟ هل نفذنا شيئا من الوعد الذى قطعناه لهم «القصاص.. القصاص»؟ فى شهر نوفمبر من العام الماضى كتبت مقالى: «جيكا وإسلام.. والعسكر والإخوان»، مازالت أسئلته معلقة، ولهذا أعيده:
فلنسم الأشياء بأسمائها من خلال هذا السؤال: من قتل الشهيد محمد جابر الشهير بـ«جيكا» الذى سقط أثناء الاحتفال بالذكر الأولى لأحداث محمد محمود؟ ومن قتل الشهيد «إسلام مسعود» الذى سقط أمام مقر حزب الحرية والعدالة فى دمنهور؟
فى الفترة الانتقالية، وكلما سالت الدماء كانت الحناجر لا تهدأ من ترديد هتاف: «يسقط يسقط حكم العسكر»، كانت الهتافات ترفع سقف المطالب بمحاكمة المسؤولين عن قتل الثوار، ولم يستثن هذا المطلب أحداً، وتولد شعار: «الخروج الآمن»، وفى مواجهته جاء شعار: «الخروج العادل»، كان مدلول الهتافات لا ير فرقاً بين حكم مبارك وحكم العسكر أثناء الفترة الانتقالية.
نحن الآن، أمام شهيدين، سالت دماؤهما فى مظاهرات للغضب، «جيكا» كان فى مظاهرة احتفالا بذكرى «محمد محمود»، وكان يؤيد مرسى فى جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة ضد شفيق، ثم أصبح معارضاً شرساً له بعد ذلك، أما الثانى «إسلام مسعود» فكان عضوا فى «الحرية والعدالة»، ومؤيداً للإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى، وفى الحالتين يتحمل مرسى المسؤولية السياسية عن الشهداء والمصابين، بالضبط كما كان المجلس العسكرى يتحمل المسؤولية عن الشهداء والمصابين خلال المرحلة الانتقالية.
فى مظاهرات «محمد محمود» التى سقط فيها «جيكا»، كانت هناك مفارقة مدهشة، صنعها رجال مثل الدكتور محمد البلتاجى ورموز أخرى من جماعة الإخوان ومن الأحزاب التى تنسب نفسها إلى الإسلام السياسى، تصف المتظاهرين بأحط الأوصاف، بدءا من رميهم بـ«البلطجة»، وتعطيل مسار الثورة، ومرورا بضرورة مواجهتهم، وذلك عكس تغريدات سابقة لهم، وهنا يكمن التناقض بكل مفارقاته.
كانت هذه الأوصاف المقيتة وغير المسؤولة، بمثابة تحريض مباشر ضد كل المتظاهرين، وعربون مقدم إلى كل من يطلق الرصاص ضد جيكا وباقى الشهداء، كما كانت «حقنة الفيتامين» لتقوية صف المؤيدين لمرسى وسياساته، وتحريضهم على فعل أى شىء، حتى جاءت الطامة الكبرى بالإعلان الدستورى، فكان الضرب والاعتداء الذى انتهى بشهيد آخر هو «إسلام مسعود» فى دمنهور.
من جديد، فلنسم الأشياء بأسمائها، وكما كانت المطالب بمحاكمة المسؤولين عن نزيف فى المرحلة الانتقالية، فلنطالب بمحاكمة المسؤولين عن قتل «جيكا» ابن الـ«16 عاماً» وإسلام مسعود ابن الـ«15» عاماً.