كنت أحب الكتاب المطبوع (الهارد)، واليوم مع تعقد الظواهر التى نحاول فهمها، وسرعة الحياة والأسفار، وكثرة الفلسفات والأفكار، أصبحت مولعا بالكتاب الإلكترونى (السوفت، والبى دى إف)، محاولة الفهم لظواهر اجتماعية معقدة وحديثة وجديدة تجعلك تجرى وراء الكتاب ووراء الأفكار لمحاولة الفهم والتفسير. الإنسان المعاصر لم يعد ذلك الإنسان القديم الذى يعيش فى عالم محدود فى قريته أو مدينته أو أسرته أو مجتمعه التقليدى، وإنما الإنسان الجديد هو الذى أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى جزءًا لا يمكن فصمه من حياته، فهو يرى ويعرف ويتواصل ويؤثر كفاعل اجتماعى. المجتمع هو الآخر يتغير، فلم تعد المجتمعات تلك الراضية بقسمتها والتى تعتبر واقعها قدرا مقدورا لا يمكن تغييره، وإلا لما قامت الثورات وخرج الناس للشوارع مطالبين بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، ولا يطرح أحد فكرة أن الاستقرار خير من المكافحة والمطالبة بالتغيير رغم كون التغيير له مطالب وشروط قد يدفع الإنسان فيها حياته وقد يواجه مخاطر التعرض لحريته.
فى ظل السياق السياسى الذى يبدو قوة منتصرة وأخرى مهزومة، لابد للقوة المنتصرة أن تكون لها شرعية الوقوف مع الإنسان وإدراك أبعاد التغيرات التى يعيشها العالم وتوقعات الشباب والأجيال الجديدة، أى أن صراعات السياسة الصغيرة لا يمكنها أن تغيم على الحقائق الكبرى فى تطور العالم وتغيره وفى تطلعات الإنسان وتوقعاته واعتباره اليوم فاعلا مهما لا يمكن تجاهله. لم يعد الإنسان مهموما فقط بلقمة العيش وإنما أصبح مهموما بالمعانى فالكرامة عنده أهم والعدل عنده أهم وتحقيق العدل ورفع الظلم أهمه، فمع الاندفاع نحو عالم ما بعد الحداثة الذى سالت فيه كل المعانى يحاول الإنسان أن يبقى واقفا على أرض صلبة من المرجعيات والمعانى، وحتى اهتمام الإنسان بمعاشه ولقمة عيشه لم يعد بالمعنى الاقتصادى وإنما بالمعنى الإنسانى والقيمى الذى يجعل من حق الإنسان أن يعيش بكرامة وأن يعيش بحرية وأن يعيش فى مجتمع تختفى فيه الفوارق الطبقية الحادة والمظالم السياسية والاجتماعية البشعة.
خط الإنسان والثورة والتغيير فى العالم يجعل من الصعب على الدولة أن تصبح هى محتكرة الشرعية إلا إذا كانت تعبيرا عن مجتمعها وعن الإنسان فيه، ومن ثم لو حاولت قوى رجعية أو غير قادرة على إدراك التحولات التى لا يمكن مقاومتها ومنها تواضع الدولة لصالح الإنسان ولصالح المجتمع وأن تعود خادمة وليست متسلطة وأن تكون أدوات الأمن فيها لتحقيق خط خدمة الإنسان وقيم الثورة واحترام ما يجرى من تغييرات فإن هناك أزمة إدراك وتكيف، وهذه الأزمة فى الحقيقة هى التى أسقطت الامبراطوريات القديمة لأنها عجزت عن الإدراك والتكيف معا، أى يمكن أن يكون قادتها فهموا أن هناك تغييرا ولكن المؤسسات التقليدية العتيقة لم تستجب لهذا التغيير. إذن لدينا خط رئيسى يعبر عن إنسان جديد ومجتمع جديد وعالم جديد، وهذا لم تفهمه النظم السياسية الاستبدادية القديمة، أو فهمته فى اللحظات الأخيرة كما فعل فرعون حين قال «لا إله إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين»، وهذا كان بعد فوات الأوان، وهذا فعله بن على فى تونس وفعله القذافى فى ليبيا وفعله مبارك فى مصر، ويفعله بشار فى سوريا، وفعله على عبدالله صالح فى اليمن، هذا الخط الرئيسى لا يمكن لنزوة عابرة أو قوة متعجرفة شاردة أن تتصور أنها يمكنها تجاهله، ولو فعلت فإنها تعرض نفسها لخطر الاندثار. طبعا أنا أتكلم عن إنسان مصر وثورة 25 يناير والعالم حولنا، هذا هو السياق الرئيسى، وداخله تضطرم القوى والموازين صعودا وهبوطا، بيد أن من ينتصر هو الذى يحترم هذا السياق ويدركه ويتكيف معه.
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد العقدة
الحق أبلج والبطل لجلج