أول لقاء لنا كان فى مكتبه بالطابق الثالث من بناية «الإعلام الموحد» الذى كان «ماجد» مسؤوله، بعد أن أصدر «أبوعمار» قراره بأن أعمل فى وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا» فى أوائل سنة 1977 وكنت عائدا من دورة صحفية فى «وارسو» بولندا، فقبلها بثلاثة أشهر كان «أبو إياد» قد وضع اسمى ضمن مجموعة من الشباب لحضور هذه الدورة، وعندما سألنى «ماجد» عن الدورة الصحفية وعن زملائى فيها أخذت أحكى له عن جمال مدينة «فارسوفيا» التى هى «وارسو»، وعن نهر «فيستولا، وعن «البالاس كالشيرى نايوكى / قصر الثقافة والعلوم» الذى كانت به الدورة الصحفية والذى بناه الاتحاد السوفييتى فى قلب الميدان الذى كان مكانا للاستعراضات العسكرية لتمجيد الشيوعية والاتحاد السوفييتى تحت قيادة «ستالين»، يومها فهم «ماجد» أنى لن أحكى له عن زملائى فى الدورة، فابتسم ابتسامته الجميلة ودعانى على الغداء معه، ويومها تحدث «ماجد» عن مدينة الإسكندرية التى عشقها وعرف كل شوارعها ومقاهيها عندما كان طالبا بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، كان «ماجد» فتحاويا حتى النخاع وكان مقاوما شرسا لأى محاولة انشقاق ومع ذلك كان محترما من جميع المنظمات الفلسطينية، حيث أصبح مسؤولا عن الإعلام المركزى، كما تم انتخابه «أمين سر المجلس الثورى» للحركة، ويعتبره الجميع المطور الأساسى لمدرسة الكوادر، كما أنه كان يمتلك المقدرة الفذة فى التنظيم، وكان سببا رئيسيا فى فتح الكثير من الأبواب المغلقة فى الدول الاشتراكية أمام الثورة الفلسطينية، كتب المجموعة القصصية «الخبز المر» وهو الذى أشار سنة 78 للناشر «سليمان صبح» صاحب دار نشر «ابن رشد» اللبنانية على نشر روايتى الأولى «إنهم يأتون من الخلف»، مثل ماجد قيمة فكرية ونضالية وإنسانية وأدبية لها اعتبارها فى تاريخ الثورة الفلسطينية، وتم اختياره عضوا فى اللجنة المركزية لحركة «فتح»، ومنذ اليوم الأول للقائى معه ولعدة سنوات بعد ذلك لم يمر على يوم واحد لم أدخل عليه مكتبه لأقول له: «صباح الخير يا أخ ماجد»، فى بيروت عام 76 كنت خارجا من دار سينيما فى ساحة الدباس تعرض الأفلام الثقافية وعلى مقهى معظم زبائنه من المصريين فى ساحة «رياض الصلح» تعرفت على الشاب المصرى «مراد عبدالرؤوف» وكان يحمل كاميرا على كتفه وحقيبة صغيرة بها كمية لا بأس بها من الصحف، والغريب فى الأمر أن معظم هذه الصور تم التقاطها فى «تل الزعتر» قبل وبعد وأثناء المجزرة، كانت صورا مذهلة ونادرة بحق، حكيت عن «مراد» للقائد «أبو إياد» فاقترح على أن أقدمه لمسؤول الإعلام الموحد أيامها وكان القائد «ماجد أبو شرار» ففعلت، بعد عدة أشهر كان «مراد عبدالرءوف» هو المصور الشخصى لقائد الثورة الفلسطينية «ياسر عرفات»، وفى أواخر سنة 81 استأذنت فى السفر إلى مصر لحضور زفاف أصغر شقيقاتى بصفتى الأخ الأكبر، وتم القبض على فى مطار القاهرة وتم ترحيلى إلى سجن طرة متهما بالانتماء لحزب العمال الشيوعى المصرى، وكانت حبسة شديدة الرداءة ضمت أشتاتا مختلفة من الاتجاهات ولم أكن أعرف غير ثلاثة منهم كما أنه لم يكن يعرفنى أى أحد فيهم، ويومها تبادلنا جميعا الاتهامات الصبيانية والشتائم البذيئة، وفى يوم 9/10/1981 علمت بخبر استشهاد «ماجد» من إذاعة مونت كارلو» حيث انفجرت قنبلة تحت سريره فى أحد فنادق روما أثناء مشاركته فى مؤتمر عالمى للتضامن مع الشعب الفلسطينى، وبعد خروجى من السجن فى نهاية هذا الشهر عدت إلى بيروت وكان «محمود درويش» قد كتب مرثيته لماجد: «صباح الخير/ قمِ اقرأَ سورة العائد/ صباح الورد يا ماجد/ قمِ اقرأ سورة العائد/ وشد القيد/ على بلد حملناه/ كوشم اليد/ صباح الخير يا ماجد/ صباح الخير والأبيض/ قم اشرب قهوتى، وانهض/ فإن جنازتى وصلَت وروما كالمسدس».
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة