فى الغالب لا تتطور الأمم من تلقاء نفسها لكن - وياللمفارقة- فإن أغلب الطفرات التطويرية والتحديثية يكتب لها الحدوث بعد الحروب أو الثورات، وهذا ما اكتشفته بعض الدول التى نطلق عليها الآن اسم الدول المتقدمة، ولذلك اجتهدت فى صنع آليات لتجديد دماء الشعوب دون الاضطرار إلى الحروب أو الثورات. وللأسف فإن هذا الأمر لم يحدث فى دولنا العربية والأفريقية، وهذا هو سبب اندلاع ثورات الربيع العربى، ومن قبلها كان سببًا فى الانقلابات التى لجأت إليها بعض أنظمة أفريقيا أو الخليج، لكن السؤال هنا هو: هل حصنت «الدول المتقدمة» نفسها تمامًا من الثورات والحروب؟ وهل سيظل عالمنا «الثالث» موطنًا أبديًا للثورة؟
فى اعتقادى، فإن «الدول المتقدمة» لن تكون بمنجى عن الثورات والاضطرابات، ولأن قادة هذه الدول على وعى تام بهذا الأمر، فإنها تحرص من حين لآخر على الدخول فى حرب خارجية، أو معركة سياسية ليظل التوتر قائمًا، وتظل الأفواه المطالبة بالتغيير صامتة، وتظل شعوبها راضية بما تحصل عليه، وهو الأمر الذى لا يجب أن ندينه أو نستهجنه، بل يجب أن نتعلم منه، لأن هذا السلوك لم يأت من فراغ، إنما أتى من وعى تام بأن الحروب والثورات قادرة على تجديد دماء الشعوب، وكل ما تفعله هذه «الدول المتقدمة» أنها نقلت موقعة، فبدلًا من أن تحدث على أرضها، ويدفع ثمنها شعوبها، أزاحتها لمواقع أخرى لتحدث فى دول أخرى وتدفع ضريبتها شعوب أخرى.
نأتى إلى السؤال الثانى وهو: هل سيظل عالمنا الثالث موطنًا أبديًا للثورة؟
وفى اعتقادى، فإن الإجابة ستكون بـ«نعم» مادمنا لم نجتهد فى بناء مؤسسات حقيقية تصون حرمة المجتمع، وتعمل على رفعة الوطن والمواطن، فأمامنا خطوتان أساسيتان لابد من المرور بهما.. أولا الاستفادة مما يحدث حولنا فى المحيط الداخلى، والثانية هى الاستفادة مما يحدث حولنا فى المحيط الخارجى، وفى الحالتين يجب علينا أن نراعى ما يسمى بمستجدات العصر، فحركة المجتمع لا تكون فى الفراغ أبدًا، إنما تنشأ وتنمو من خلال التفاعل الحى بين مكونات الحياة وخبرات البشر، والتخيل بأننا نتحرك فى الفراغ سيؤدى بنا فى نهاية المطاف إلى العزلة، ومن ثم الجنون والتخلف، كما أن الانغماس فى مراقبة ما يحدث بالخارج، والإيمان بأن «99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا»- كما كان يقول الرئيس الراحل أنور السادات- سيؤدى بنا فى نهاية المطاف إلى التبعية والانسحاق، والغريب أيضًا أن من يدعى أنه لم يختر العزلة، وكذلك لم يختر الانسحاق، ووقف فى مرحلة «البين بين» سيجد نفسه فى النهاية تائهًا فاقدًا للوعى والهوية.. إذن، ما الحل؟
الحل فى «الرؤية»، من أجل أن نكرس لمجتمع صاحب مشروع وطنى جامح وطامح، يعيد تشكيل المجتمع، وبناء مكوناته ووجدانه وثوابته، بشكل يجعلنا أصلاء فى الحلم، واقعيين فى الهدف. لكن اللافت هنا أننا لن نجد لهذه «الرؤية» سبيلاً دون أن نتخلص من «نفسية المغلوبين» التى تهيمن على أفعالنا وردود أفعالنا، فكما يقول العلامة العربى «ابن خلدون» فإن «المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب فى شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسبب فى ذلك أن النفس تعتقد الكمال فى من غلبها»، ولذلك فإننا لن نتخلص مما نحن فيه إلا بالاستقلال الوطنى الذى يسبقه استقلال ثقافى، فهل من «مستقل»؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ميمو
ياحكيم أون .. قالها صاحب الظلال
عدد الردود 0
بواسطة:
أبطال ضد الجنرال
دولة كركوبة .. راكبة ومركوبة ..
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد حمدى
طبيعى جدا
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد حمدى
طبيعى جدا
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن مكلوم
أنت ومحمد رشدى وعبد الرحمن يوسف .. كنتم أيقونة حلم يناير الجميل