تمر علينا هذه الأيام ذكرى محمد محمود، ذكرى استشهاد ٤٨ شهيداً، وإصابة الكثيرين، والتضحية بالعيون من أجل الحرية، ذكرى ثانية تمر دون معرفة أى حقائق، دون أى تحقيقات جادة، ذكرى ثانية تمر دون محاسبة دون قصاص،.
ذكرى ثانية تمر والمسؤولون عن البلد فى هذه الفترة، وبالتالى هم مسؤولون عن كل أحداث محمد محمود التى حدثت تحت حكمهم، منهم من يتكرمون ومنهم مشغولون بالاستعداد لـ"العرس" الديمقراطى القادم المعروف بانتخابات الرئاسية. فى حين أن مبارك صدر ضده حكم أولى أنه لم يمنع قتل المتظاهرين أثناء حكمه، نعم لم ينفذ الحكم للدرجات القضائية المختلفة من استئناف ونقض ولكن صدر حكم بهذه التهمة وغيره لم يحاسبوا رغم أنهم ارتكبوا نفس التهمة. وأخشى وأنا على يقين أن مبارك فى انتظار حكم البراءة!!
ذكرى ثانية تمر والمسؤولون أحرار طلقاء مكرمون، وننصب للشهداء نصبا تذكاريا، نصب تذكارى لا يحمل أسماء الشهداء، كما كنا نتمنى ونحلم، ولكن لن نغفل حقيقة أنه نصب تذكارى طلبنا وضغطنا من أجل إنشائه منذ ١١ فبراير ٢٠١١ عندما لم يجف الدم على الأرض، عندما كنا نشعر أننا لسنا فى طريقنا إلى شهداء جدد، فالثورة نجحت ورحل مبارك!! "طبعا كنا مغفلون"، ولكن عندما استمر مسلسل تساقط الشهداء تحت الأنظمة المختلفة التى حكمت بعد الثورة وعندما بدأت المسرحيات الهزلية لمحاكمة قتلة الثوار، وعندما خدعنا بلجان تقصى حقائق وهمية، وعندما ضاع الحق وأهدر الدم وهانت الأرواح وكرم المجرمون، لم يعد للنصب التذكارى معنى أو قيمة فى قلوبنا وعقولنا، فقد بريقه وأطفأ لمعانه، وكأنك ألقيت ملحا على الجرح فيزيده اشتعالا، ويذكرنا بفشلنا فى القصاص واسترجاع حق من ضحى بروحه وعينيه.
نصب النصب التذكارى قبل الذكرى الثانية بيوم، ورغم أننى لست ضده لأننى كما ذكرت أنه كان مطلبا لنا فى بدايات الثورة، ولكن التوقيت خاطئ، فهل كنت تعتقد أنك ستمتص غضب الذين سينزلون يتظاهرون لإحياء الذكرى؟ إذا كنت تعتقد ذلك فأنت مخطئ لأنك على العكس تماما ستذكرهم بخيبة أملهم وفشلهم فى استرداد حق أصدقائهم، وسيحدث بكل أسف مثلما حدث الأيام الماضية محاولات تحطيم النصب وتشويهه والإساءة له بأبشع الألفاظ والسباب.
ورغم أننى أقدر مشاعر الغضب التى كانت تغلى فى قلوب الثوار، ولكننى لا أوافق أبداً أن يكون السب والقذف والهدم والعنف بأى أشكاله هو عنوان من يحيون ذكرى شهداء محمد محمود، فهل بهذا العمل أحييت الذكرى؟ هل تعاطف معك البسطاء والمواطنون العاديون الذى أنت فى حاجة إليهم دائما حتى يسمع صوتك وحتى تنجح فى الضغط من أجل القصاص الذى أعتقد أنه قادم مهما طال الزمن، فالله هو العدل الحكم؟. هل الآن فى ظل كل هذه الظروف التى نمر بها إحياء ذكرى الشهداء يتمثل فقط فى النزول أربع أو خمس ساعات فى نفس المكان الذين قتلوا فيه، وأن نهتف هتافات تحمل سبابا بشعا لم نعهده فى أجمل أيام الثورة المصرية الأولى؟ هل تعلم أن شهداء محمد محمود بالأخص هم المجهولون الذين لا يتحدث عنهم أحد ولا يعرفهم أحد؟ هل فكرت أنه من الأفضل لهم أن نكتب ونوثق السير الذاتية لهؤلاء الشباب الذين قتلوا غدرا وسير أهليهم وكيف قتلوا كما هو مذكور فى تقرير الوفاة أو حسب شهادة الشهود التى من الممكن أن تكون مختلفة عن التقرير الذى يفبرك أحيانا كثيرة؟ هل فكرنا أن نأخذ النصب التذكارى خطوة وبعد جمع المعلومات عن الشهداء نطالب ونضغط بوجود حائط بجوار النصب يحمل أسمائهم بدلا من هدمه وتحقيره مهما اختلفنا معه؟ فسيعرفهم ويتحدث عنهم الجميع وتخلد ذكراهم حتى يأتى وقت القصاص الذى حتماً قادم بإذن الله.
هل تعلم أن من تعاونوا مع القاتل ودعموه وسخروا من الشهداء والثوار فى هذه الفترة استغلوا ما فعلت وصدروا أنك تتظاهر ضد من يدعون أنه انقلاب، هل تعلم أن علامة رابعة التى استبدلها تنظيم الإخوان على علم مصر رفعت فقط لتغطى على هدفك التى نزلت من أجله، وهو فقط إحياء ذكرى شهداء محمد محمود، هل تعلم أن القناة الناطقة باسم الإخوان غطت ما حدث يوم ١٨ نوفمبر أنه مظاهرة ضد الانقلاب؟ هل تعلم أنك فقط بتظاهرك يوم ١٨ و١٩ نوفمبر خدمت فصيل الإخوان الذى كنت أنت مصدر سخريته منذ عامين.
لن نترك حق الشهداء ولكن يجب أن نكبر سنتين فهى الذكرى الثانية، ونفكر خارج الصندوق، نفكر فى آليات جديدة لتحقيق العدالة والقصاص بدون نزيف المزيد من الدماء، لابد من الضغط على وجود لجنة مستقلة حيادية بجدول زمنى من أجل تقصى الحقائق منذ ٢٥ يناير حتى الآن وتلتزم الدولة بتقديم كافة التسهيلات والمعلومات لهذه اللجنة، لابد أن يعمل الجميع من نشطاء ومجتمع مدنى وأحزاب سياسية وقوى ثورية من أجل نجاح عمل تلك اللجنة وتكون خطوة أولى فعالة نحو العدالة الحقيقية.
تذكروا أننا أوشكنا على الذكرى الثالثة لثورة يناير وما زال هتافنا (لنموت زيهم لا نجيب حقهم) ولا موتنا زيهم وارتحنا ولاجبنا حقهم وريحناهم.