فى 14 نوفمبر الفائت، وأثناء تصفحى جريدة "الشرق الأوسط"، أوقفنى تقرير فى إحدى صفحاتها عن الرئيس المعزول «محمد مرسى» وبيانه الذى ألقاه المتحدث باسم فريق دفاعه «محمد الدماطى»، يتوسطه صورة لمجموعة من السيدات اللائى يتظاهرن وفقًا لما هو مدون أسفلها من أجل المطالبة بحقوقهن وتمثيلهن فى لجنة الدستور وحصة فى البرلمان.
الملفت فى الصورة بجانب أنها لا تتماشى ومَتْنُ التقرير، امرأة تبدو عليها علامات بساطة المظهر تحمل على أحد كتفيها طفلاً صغيرًا لا يتجاوز عمره الأربعة أعوام على الأكثر، وتعتبر عملية رفع الأمهات لأبنائهم على أحد أكتافهن، عادة تنتشر بين نساء مصر البسيطات اللائى يقطن فى الغالب المناطق الشعبية والعشوائية، وأيضًا القرى والنجوع.
وبمجرد رؤيتى لهذه السيدة تساءلت، هل حقًا هذه السيدة البسيطة تُطالب عن قناعة بحقوق المرأة المصرية؟، التى تلقى بحسب دراسة نشرتها مؤخرًا مؤسسة «تومسون رويترز» أسوأ معاملة فى العالم العربى يليها المرأة العراقية، أم أن لهذه السيدة حاملة الطفل أغراض أخرى، والتى ربما تتجسد فى الحصول على بضعة جنيهات ثمنًا لوقفتها فى التظاهرة، لتذهب مع نهاية اليوم محملة لأبنائها وأطفالها بجزء من متطلباتهم المعيشية!.
تذكرت على الفور تلك الوظيفة الجديدة الآخذة فى الانتشار بعد ثورة 25 يناير 2011م، والتى أبلغنى بها سائق التاكسى أثناء إحدى زياراتى الأخيرة بالقاهرة، ألا وهى وظيفة أو بالأحرى سبوبة (متظاهر)! نعم هناك وظيفة فى مصر حاليًا اسمها (متظاهر للإيجار)؛ فإن أرادت كتلة سياسية ما أو رجل أعمال، الاعتراض على السياسات المتبعة، يستأجر هؤلاء الغلابة من المصريين، وقد يكونوا من أجل زيادة الزخم العددى أو لإحداث اضطرابات وعنف، وغالبًا ما يتم العنف من قبل عناصر تُعرف بالبلطجية، وهم فى الأصل ضحية أنظمة فاسدة تعاقبت على المحروسة، وأخذ ذلك السائق يسرد لى نماذج من جيرانه فى المنطقة التى يقطنها، وكيف باتوا يمتهنون (التظاهر) حاليًا.
وقد أخذنى عقلى حينها إلى عدم الذهول، بخاصة بعدما تذكرت ما قاله الرئيس المعزول «محمد مرسى» فى حواره مع الإعلامى «عمرو الليثى»، عن قصة الطفل الذى كان يتظاهر أمام قصر الاتحادية، ووضعت أمه بجيبه شهادة ميلاده وعندما استجوبت هذه الأم، قالت (علشان لو لا قدر الله حصل حاجة أعرف استدل عليه).
وبعيدًا عن الانعدام الخُلقى لهؤلاء المستغلين، وأمام ما تذهب إليه التقارير وآخرها ما أوردته «هيئة الأمم المتحدة للمرأة» فى سبتمبر 2013م بأن من أهم المشاكل التى تُعانى منها مصر هى ارتفاع نسب الأمية، يبقى أن مثل هذه الفئات الشعبية بمختلف تنوعاتها (العوام)، تمثل عائقًا أمام الممارسة الديمقراطية المأمولة، فهناك أطروحات على مر العصور حاولت التغلب على إشكالية مشاركة (العوام) فى العملية الديمقراطية، وذلك بذهابها مثلاً نحو قصر حق الانتخاب والاختيار على المتعلمين دون الأميين، وفى ذات الوقت لم تقترب من المرشحين، وذلك ما قد يجعل من التحول الديمقراطى انتقائيًا أكثر منه تشاركيًا.
هذا بخلاف ما ذهب إليه آخرون إلى تكثيف حملات التوعية السياسية فى المجتمع من قبل الحكومات وجمعيات المجتمع المدنى، ورغم محمودية إجراء توعية بين أفراد المجتمع فإن ذلك الإجراء يتطلب إطارًا زمنيًا كبيرًا حتى يؤهل هؤلاء لكيفية الانتخاب والاختيار بعيدًا عن تأثيرات المال السياسى والتأثر العاطفى والقبلى وخلافه.
وجدير بالذكر أن استغلال هذه الفئات البشرية من البسطاء للحصول على مكاسب سياسية وإحداث تغيير فى السياسات المتبعة أمرًا حقيقيًا يُطبق على أرض الواقع فى مختلف البلدان بخاصة النامية منها.
والسؤال هنا، كيف إذن للدول ذات نسب الأمية العالية والفقر الشديد التحول إلى الديمقراطية؟، فيما يبدو أن تخطى الدول النامية لمعضلة المشاركة الشعبية الكاملة، يكمن بحسب وجهة نظرى المبدئية فى جملة (بالامتحان وليس الانتخاب)، وهى تعنى أن الدول التى عانت فسادًا تعليميًا وفكريًا عتيًا يكون فيها مسئولو التشريع مدة 10 سنوات بالامتحان وليس الانتخاب؛ فلكل المواطنين بلا استثناء الحق فى التقدم للامتحان، ومن يجتاز الامتحان يحق له أن يكون عضوًا فى البرلمان؛ إذ يُعلن عن امتحانات قبول بالبرلمان، بأن تكون هناك حزمة من المقررات المختارة بدقة من قبل خبراء فى كل المجالات، يمكن من خلالها تقديم نموذج لبرلمانى بدرجة (ممتاز)، ولتجنب مفردات الوساطة والمحسوبية تكون اللجنة المشرفة على الاختيار والتصحيح تحت إشراف القضاء والمجتمع الدولى.
وبهذا يكون لدينا 400 أو 500 عضو برلمانى أو يزيد تم انتقاؤهم بعناية فائقة، كما لم يُحرم أى مواطن من أحقية التقدم للامتحان، وحتى لا ينتهى دور بقية الشعب، تكون القرارات والقوانين التى يُخرجها ذلك المجلس مقسمة إلى نوعين، الأولى: قرارات يُستفتى عليها الشعب، والثانية: لا يُستفتى عليها الشعب، ولتحديد أيهما يستفتى عليه وأيهما لا، يكون ذلك وفقًا لاتفاق مسبق.
أما رئيس الجمهورية فيتم اختياره من قبل هؤلاء البرلمانيين، وهو من يختار الوزراء ورئيس الحكومة وفقًا لقواعد موضوعة سلفًا، وبعد أن يكون قادة الأمة من العلماء مدة من الزمن لا تقل عن 10 سنوات كما أوردنا سلفًا، يكون حينها المجتمع قد وصل إلى أن يمتلك القدرة بأن يجتاز اختبار الديمقراطية، لأن من أولى مهام هؤلاء البرلمانين تأهيل المجتمع لممارسة الديمقراطية.. إنها مجرد يوتوبيا سياسية.
* باحث فى الشئون السياسية.