«الغاط» واحة صغيرة فى قلب صحراء نجد، تفيض بالنخيل والثقافة، نعم الثقافة حيث زرع فيها الأمير عبدالرحمن السديرى- رحمه الله- مؤسسة خيرية ثقافية تعقد سنويا ندوات وحلقات نقاش رفيعة المستوى، يشارك فيها مثقفون وخبراء من كل أنحاء المعمورة، وهذا العام وقع الاختيار على موضوع «الإعلام اليوم: عالم بلا حواجز» لمناقشة علاقته بالمتغيرات السياسية، ومستقبل الإعلام الحكومى، والرقابة فى زمن الإنترنت. الجلسة الأكثر سخونة كانت حول مستقبل الصحافة الورقية، حيث انقسم الحضور بين مؤيد لاستمرارها، ومعارض لوجودها ودورها فى المستقبل، وبغض النظر عن حجج كل فريق، فإن هناك خمس حقائق لا بد من استحضارها فى هذا النقاش: الأولى: أن الموضوع مختلط بالعواطف والمشاعر والذكريات، وربما المصالح أيضا، فكبار السن نشأوا على احترام وتقدير الكلمة المطبوعة، بل إن بعضهم يحب رائحة الحبر والورق، فى المقابل هناك الشباب الذى تعود على استخدام شاشة الكمبيوتر والهاتف الذكى أكثر من الصحف الورقية، وبعض هؤلاء يمارسون العمل الصحفى الاحترافى فى مواقع إخبارية أو من خلال التدوين والفيس بوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعى، وبالتالى ينظرون إلى الصحافة الورقية على أنها أدوات رسمية أو تقليدية تكبل حرية الرأى والتعبير، ولا تستجيب لعنصر السرعة والتغيير المستمر.
الحقيقة الثانية: أن أغلبية سكان الوطن العربى من الشباب والأطفال وهؤلاء يتربون على الشاشات وليس الصفحات المطبوعة، ومن المتوقع أن تقل معارفهم وخبراتهم بالكتاب والصحيفة المطبوعة، ما يعنى أنه خلال 15 سنة على الأكثر سيصبح مستهلكو الورق المطبوع أقلية.
الحقيقة الثالثة: أن وسائل الإعلام كانت تتكامل ولا ينفى بعضها بعضا، فعندما ظهر الراديو لم يقض على الصحيفة، وعندما انتشر التليفزيون لم يقض على الصحف أو الراديو، وبالتالى قد تستمر تلك العلاقات مع الإعلام الجديد، فتتعايش الصحف الإلكترونية ومواقع الأخبار والتدوين مع الصحف الورقية والراديو والتليفزيون، كما هو حاصل الآن، لكن المشكلة أن الميديا الجديدة تختلف عن كل ما سبقها من وسائل الإعلام فهى أكثر نموا وقدرة على الدمج بين الصحافة المطبوعة والإذاعة والتليفزيون.
الحقيقة الرابعة: تتعلق بالجوانب الاقتصادية والبيئية، فتكلفة الإعلام الجديد أقل من الإعلام التقليدى وأكثر تفاعلية وحفاظا على البيئة، وبالنسبة للإعلان فإن تحالف المعلنين مع الصحف الورقية والتليفزيون بدأ يهتز، وربما ينهار قريبا لصالح الإعلام الجديد.
الحقيقة الخامسة أن هناك تجارب عربية ودولية تؤكد أن المستقبل للإعلام الجديد وللصحافة الإلكترونية، وتكفى الإشارة هنا للنجاح الذى يحققه موقع «اليوم السابع» مصريا وعربيا، وصحيفة «ذا هافينغتون بوست» الأمريكية الإلكترونية- ليس لها نسخة مطبوعة- التى يصل عدد قرائها يوميا إلى أكثر من 20 مليون أمريكى، وهو رقم يتجاوز توزيع أى صحيفة فى العالم. لذلك كله أنا من القائلين بأن الصحافة الورقية ستموت خلال 15 عاما على الأكثر.