فى الصراع الدولى هناك معادلة حاكمة لأطرافه وهى: ماذا لديك من أوراق قوة تستطيع بها منازلة الآخرين؟ وفى هذه المعادلة ليس الضعف قدرا، وليست القوة مطلقة، فقد يمتلك الطرف الضعيف أداة تجبر القوى على الزحف إليه، وقد تعجز القوى عن استخدام أقصى درجات قوته لحسابات ما، ولنا فى الماضى دروس فى هذا، مثل انتصار فيتنام على أمريكا بكل جبروتها العسكرى فى ستينيات القرن الماضى، ومثل المقاومة الباسلة لمصر للعدوان الثلاثى عام 1956، ومثلما حدث قبل أيام فى «الاتفاق النووى» بين إيران والغرب.
الإدارة الواعية هى التى تستطيع استخدام كل أوراقها جيدا، وإذا أخذنا إيران نموذجا، فلابد أن نرفع لها القبعة احتراما، فهى صمدت أمام العقوبات الدولية المفروضة عليها منذ سنوات بسبب إصرارها على المضى قدما فى بناء مفاعلها النووى، فى هذا الصمود كانت تبنى قوتها الذاتية، يكفى مثلا أن تجد لها ترتيبا عالميا متقدما فى إنتاج البترول والحديد الخام والأزهار والفستق.
وإذا كان للطبيعة فضل فى ذلك، فابحث عن دول أخرى مثل مصر كانت الأولى فى إنتاج القطن طويل التيلة، لكن الإهمال سرق هذا التصنيف العالمى، ولم يعد القطن ذهبنا الأبيض، أما على مستوى الإنتاج الذى يعتمد على العلم والإرادة والابتكار، أصبحت إيران ثالث دولة فى العالم فى إنتاج معدات الحفر الثقيلة، والأولى على المنطقة فى إنتاج دورة الوقود النووى والخلايا الجذعية، وتسير الآن وفق خطة لتقفز عالميا فى إنتاج الإلكترونيات، أما فى مجال صناعة السلاح وقوتها العسكرية، فلنتذكر نموذج حرب إسرائيل وحزب الله عام 2006، حيث عجزت إسرائيل أمام آلة السلاح الإيرانى الذى كان بحوزة مقاتلى الحزب، ولو كانت إسرائيل وأمريكا والغرب لديهم ثقة فى ضعف إيران عسكريا، ما ترددوا لحظة فى تنفيذ تهديدهم بضربها.
هى دولة كان الغرب يحاصرها، لكنها عملت وفقا لمبدأ «التحدى والاستجابة» الذى يكمن فيه سر قوة الحضارات، وقادها ذلك إلى أن تتبوأ مكانتها الإقليمية كدولة مؤثرة فى المنطقة، ومساندتها لنظام بشار الأسد نموذج يؤكد ذلك، فمن يرد أن يحل الأزمة السورية فلا بديل أمامه غير طرق الباب الإيرانى، والباب الإيرانى لن يبقى مفتوحا فى هذه القضية حتى يدخل منه من يحب، وإنما المصلحة الإيرانية الإقليمية ستكون لها الكلمة المؤثرة بما يساعدها على حفظ مكانتها فى الوقت الذى تعانى فيه تركيا من «أمراض أردوغان»، وتعانى فيه مصر من «أشواك البحث عن أفق جديد».
بعد استقبال «الأبطال» الذى قوبل به وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف لدى عودته إلى طهران عقب توقيع الاتفاق، كان الاحتفال بتكريم العلماء النوويين الشهداء، وهذا وفاء لمن يحملون بلادهم إلى لحظات الانتصار التاريخية، وفى هذه الأجواء قال ظريف كلاما مهما ومنه: «ما أجبر الغرب على خوض المفاوضات، هو عدم جدوى سياسة الضغط على إيران، انطلاقا من أن قوتنا ليست من المدافع والدبابات والسلاح النووى بل من القوة البشرية والعلمية المؤثرة»، وقال: «التقدم العلمى جعل إيران على بينة من أسلحة العدو، فيما علمت أمريكا بعد احتلال أفغانستان أن عليها احتلال العقول بدلا من الأرض».