فى تصورى المتواضع أن هذه ليست نهاية القصة فى مسألة توقف برنامج "البرنامج"، وأن ما يجرى ربما هى محاولة جس النبض أو بالونة اختبار وقياس لردود الفعل داخليا وخارجيا حيال قرار عدم إذاعة الحلقة الثانية من الموسم الثالث للبرنامج.. لا أعتقد أن أصحاب القرار فى الدولة بهذه الدرجة من السذاجة التى يتصورون معها أن توقف البرنامج سوف يخرس الألسنة التى تجرأت الفترة الماضية على انتقاد بعض الأوضاع التى لم تكن تتفق بأى حال من الأحوال مع مطالب ثورتى 25 يناير و30 يونيو.. باسم يوسف لا يعمل منفردا يا سادة، كما أنه ليس مجرد إعلامى مصرى يقدم برنامجا ساخرا، لن يبكيه أحد إذا رحل.. الرجل لديه متابعيه بالملايين فى داخل وخارج مصر، سمعته الدولية فى عالم الإعلام ليست محل نقاش، فقد اختارته التايم من بين أكثر مائة شخصيا تأثيرا فى العالم، ومن شاركوه يومها الاحتفال المهيب الذى أقيم له فى أحد الفنادق الفخمة بالقاهرة، والتفوا جميعا حوله يلتقطون الصور التذكارية، بعضهم اليوم فرح لما حدث، وبعضهم الآخر شارك فيه، وبعضهم الثالث وقف صامتا لا يدرى ماذا يفعل سوى أن يغلق فاه ويتعلم الدرس.
العاقل يدرك أن عقبات استمرار البرنامج مهما كانت مساوؤه، أقل كثيرا من عقبات توقفه، وأن الأذهان جميعها سوف تنصرف رغما عنها إلى المقارنة بين نظام الرئيس المعزول محمد مرسى الذى تحمل البرنامج موسما كاملا، خصص باسم يوسف معظمه لتوجيه السخرية والنقد والتهكم من جماعة الإخوان والرئيس المعزول، وتوظيف الإيحاءات الجنسية والألفاظ الخارجة لانتزاع الضحكات والقهقهات من قلوب المشاهدين العاشقين للبرنامج، دون أن يتعرض البرنامج وصاحبه لأية مضايقات سوى بعض البلاغات وتحقيق واحد فى النيابة، وبين ما يجرى حاليا بعد حلقة واحدة فقط تعرض فيها البرنامج بالنقد لعدد من رموز الدولة، وبالمقارنة مع ما تعرض له المعزول ورفاقه، فإن باسم كان متحفظا إلى حد كبير فى حلقته الأولى، وراعى المزاج العام للمصريين.
البرنامج ليس كأى برامج الفضائيات المصرية التى تصدع المشاهدين ليل نهار بكلام مكرر ومستهلك، وضيوف أدمنوا الظهور على الشاشات، وأساءوا إلى الثورة بقدر ما أساءوا لأنفسهم وللإعلام المصرى بشكل عام.. بل هو ترمومتر ومقياس عملى وحقيقى لحجم الحرية المتاح فى الدولة المصرية الجديدة، ومدى قدرة المسئولين فيها على تحمل واستيعاب النقد الموجه إليهم دون إجراءات استثنائية أو عقابية إلا فى حدود ما كفله القانون.
مازلت على اعتقادى بأن "البرنامج" عائد من جديد، وأن ما حدث هو رسالة لتخفيف حدة النقد، والحفاظ على الخطوط الحمراء سليمة دون مساس.. ويبقى الرهان فقط على حجم الضغوط التى يمكن أن يتحملها باسم يوسف ورفاقه، وما يمكن أن يقدموه من تنازلات للحفاظ على بقاء البرنامج.. إنها مرحلة التفاوض بين الأطراف المتنازعة، وليس علينا سوى انتظار نتيجتها التى أراها محسومة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة