لافتات ضخمة تحمل خلفية حمراء، مصحوبة بعبارة تقول "المشاركة فى الدستور = نعم لـ30 يونيو و25 يناير"، أخذت طريقها فى الانتشار واحتلت مساحات كبيرة فى العديد من مناطق التجمعات السكنية وأعلى الكبارى والطرق والميادين الرئيسية.. والهدف الظاهرى الذى يحمله الإعلان هو دعوة جموع المواطنين للمشاركة فى الاستفتاء على الدستور الجديد الذى يجرى الانتهاء من صياغة مواده خلال الأيام القليلة المقبلة، وبغض النظر عن أن لجنة الـ50 لم تضع أوزارها حتى الآن، ولم ينته الجدال والنقاش حول بعض المواد الخلافية، وحيث لا يزال الصراع دائرًا على أشده بين عديد من أعضاء اللجنة حول مواد الهوية ونظام الحكم تحديدًا، بغض النظر عن كل ذلك، فإن الدعوة نفسها تحمل فى طياتها جانبًا إيجابيًا مهمًا وهو تحفيز المواطنين على ممارسة حقوقهم السياسية فى التعبير عن رأيهم فى مواد الدستور، فضلاً عن الاعتراف الدال فى الإعلان بأن ثورتى 25 يناير و30 يونيو، هما فى الأصل ثورة واحدة تبحث وراء تحقيق الأهداف ذاتها، وتلبية نفس الطموحات وهو اعتراف مهم للغاية فى هذا التوقيت الذى يحاول فيه العديد من المنافقين وكدابى الزفة وحملة المباخر أن يوأدوا أهداف ثورة يناير وثوارها، معلنين أنه لا ثورة غير 30 يونيو، وأن ما حدث فى هذا التاريخ يجب ما قبله.. وهى دعاية مسمومة سعت بكل السبل والوسائل نحو القضاء على مفهوم الثورة فيما جرى فى 25 يناير، بل وتجاوزت هذا الطرح فى بعض الأحيان لتلصق بها فكرة المؤامرة على كيان الدولة المصرية، وأن ما حدث فى 30 يونيو كان بمثابة طوق النجاة الذى أنقذ مصر من مصيرها المحتوم على يد متأمرى وخونة وعملاء 25 يناير!!
على الرغم من الدلالات السابقة المهمة التى يقدمها الإعلان، إلا أن الهدف الخبيث من وراءه يجعله يدخل فى باب الدعاية السامة التى تبطن عكس ما تظهر، وتحاول أن تقدم رسائل غير مباشرة للجمهور، حيث حرص صانعو الإعلان على أن يضعوا كلمة "نعم" فى خلفية بلون أخضر خلافًا لخلفية الإعلان ذات اللون الأحمر، بما يوحى لكل من تقع عينيه على الإعلان أن الهدف الحقيقى من وراءه هو حث المواطنين على التصويت بـ"نعم" على الدستور فى الاستفتاء المزمع الدعوة إليه فى مطلع يناير المقبل، بزعم أن هذا الدستور يلبى طموحات ثورتى يناير ويونيو.. ويتزامن مع ذلك، أن بعض القنوات الفضائية الخاصة تعرض إعلانات تليفزيونية قصيرة تدعو المواطنين للتصويت بـ"نعم" للدستور، تحت ستار "أنه ليس آخر دستور لمصر، وأنه لا يمكن للناس أن يتوافقوا تمامًا على شيء واحد، وأن الاختلاف على الدساتير موجود فى كل دول العالم، وهو شىء طبيعى وإيجابي".. هذه الرسائل التحريضية على تمرير الدستور الجديد، تخفى فى طياتها الكثير من القلق والترقب لدى القائمين على مقاليد الدولة حاليًا، لأنهم يدركون جيدًا أن الاستفتاء المقبل لن يكون مقصورًا على الدستور فقط، ولكنه على خارطة الطريق بجميع بنودها، وأن نتيجة هذا الاستفتاء يمكنها أن تغير دفة الأمور تمامًا، خاصة بعد ما أعلنه الدكتور عمرو الشوبكى عضو لجنة الخمسين مؤخرًا من أن التصويت بـ"لا" على دستور 2013م، يعنى العودة إلى دستور 2012م، بكل ما فيه.. وهو أمر يعنى عودة الرئيس المعزول ومجالسه النيابية.. الأمر ذاته جاء فى مبادرة سياسية جادة طرحها مؤخرًا الدكتور بسيونى حمادة أستاذ الإعلام السياسى، ويقضى جوهرها بأن تكون نتيجة الاستفتاء حدًا فاصلاً فى تاريخ مصر.. إما 3 يوليو وما بعدها.. أو العودة إلى ما قبل 30 يونيو.. فهل يدرك صانعو الإعلان أن صياغته بهذا الشكل الفج قد تأتى بنتائج عكسية تمامًا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد
عفواً: فقط 30 يونيو