يحكى أن الشبلى - رضى الله عنه - قال: لقيت جارية حبشية وهى مولهة تجد وتسرع فى مشيتها، فقلت لها: يا أمة الله رفقا عليك، والطفى بنفسك.. فقالت: «هو.. هو»، فقلت لها: «من أين أقبلت؟»
فقالت: «من هو».. فقلت لها: «وإلى أين تريدين؟» فقالت: «إلى هو».. فقلت لها: «ما تريدين؟» فقالت: «هو».. فقلت لها: ما اسمك؟» فقالت: «هو».. فقلت لها: «كم تذكرين؟» فقالت: «لا يفتر لسانى عن ذكر هو حتى ألقى هو» ثم قالت: «وحرمة الود ما لى عنكم عوض.. وليس لى سواكم غرض.. ومن حديثى بكم قالوا بها مرض.. فقلت مازال عنى ذلك المرض».
ويتابع الشبلى - رضى الله عنه - فقلت لها «يا أمة الله أما تعنين هو الله، الله تريدين».. عندئذ فاضت منها نفسها رحمة الله سبحانه وتعالى عليها، ثم زاد الشبلى - رضى الله عنه - قائلاً: «وبعدما فارقت الحياة أردت أن آخذ فى تجهيزها ودفنها فنوديت» يا شبلى من هام فى حبنا وتاه فى طلبنا وتوله بذكرنا ومات باسمنا أتركه لنا وفديته علينا، وأضاف الشبلى، رضى الله عنه: «التفت أنظر على المنادى والمتكلم فسترت عنى وحجبت عنها، فلم أدر أرفعت أم دفنت رحمها الله سبحانه بمنه وغمرها بفضله».
هذا حال من أحوال المتصوفة المتعبدين بإخلاص ويقين، ساروا إلى الله سبحانه وتعالى لا يريدون غيره ويسعون لمرضاته، إنهم لا يريدون سواه، حبه فى القلب وفى الفكر يطمعون فى القرب، وفى قرب القرب وفى النظر إلى وجهه الكريم سبحانه وتعالى جل شأنه، لقد أدركوا أن الطريقة المثلى هى اتباع سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»، لقد عرفوا أن الحب هو أصل الوجود ومفتاح السعادة السرمدية.