نحن فى زمن التشويق والكاميرات والأخبار العاجلة التى تفقد استعجالها بما هو أكثر استعجالا. وأى مشهد عمره الافتراضى لا يتجاوز الـ48 ساعة. نقول هذا بمناسبة مشاهد محاكمة الدكتور مرسى وشركاه والتى سوف تنسى فى زحام تفاصيل أخرى. وسوف يحتاج مرسى وشركاه للبحث عن «شو جديد» للمرة القادمة، مع العلم أن ظهور مرسى كسر الإيهام والغموض، وأنهى فكرة أنه مخطوف، وهو نصف التشويق. ثم إنهم كان من الممكن أن يستغلوا الفرصة ليدافعوا عن أنفسهم فى مواجهة اتهامات مسجلة بالصوت والصورة، لكنهم فضلوا التقافز والتنطيط بلا هدف غير صور، حتى لو ظهرت فسوف تتوه فى الزحام.
الشخص العادى سوف يرى أنهم ظهروا فى حالة الدهولة لم تكن جديدة فضلا عن موقفهم المخاصم للقضاء وعجزهم عن كسب مؤيدين أو توجيه رسائل خارج أنصارهم. وحرصوا على أن يرتجلوا بطريقة تقليدية، واندمجوا فى هتافات ضد الانقلاب، ولو كان انقلابا لتم التخلص منهم وما كانت هناك حاجة لمحاكمتهم.
ومثل ما فعل القيادات، المتهمين بالقتل والتحريض، ظهر أنصارهم هم أيضا فى صورة المرتبك. العصبى الذى يطارد الفضائيات والصحفيين، بينما الطبيعى أن يكون الشو عرضا من أجل رسالة، وليس مجرد تجمعات عشوائية غاضبة مصابة بالهستيريا. وتحاصر المحاكم، مثلما يهاجمها قياداتهم بما يعنى وحدة «الدماغ».
وقد يرى الشخص الطبيعى أن مرسى وشركاه، فشلوا فى التمثيل، لكن طبعا مشجعو الجماعة يرون أنهم ربحوا عندما رفضوا المحكمة، وهؤلاء المعجبون بأداء الدكتور مرسى
التليفزيونى، هم أنفسهم الذين كانوا يدافعون عن خطاباته العجيبة التى كان يلقيها على الناس بالساعات ويصيبهم بالزهق والملل والتنكيت والسخرية، وكانوا يصرون على أنه كان يقول كلاما مفهوما وأنه كان ملهما وداهية سوداء فى السياسة.
بينما المعلوم بالضرورة أن الدكتور مرسى أضاع عشرات الفرص واستسلم فى قراراته وكلماته لمكتب إرشاد وجماعة خالية من الخبرة وظفته أسوأ توظيف، لكنهم يتجاهلون ذلك ويكررون ما فعلوه من قبل. وطبعا يريدون نتيجة مختلفة من نفس التصرفات.
مرسى بدا متوجها فقط لجمهور محدد، ولم يفكر فى كسب جمهور جديد، ومثلما كانوا يمارسون العك السياسى فى السلطة، وفشلوا فى الاستبداد أو الديمقراطية، ومارسوا السياسة بكثير من الطمع وقليل من القدرة، يكررون نفس المشاهد.
طبعا بعض المهاويس يقولون: التاريخ سيسجل، طبعا سيسجل ويضحك حتى يستلقى على قفاه، من خطابات الأصابع والحارات، وسوف يصيبه الجنون وربما يستقيل من كمية التمثيل والصور المزيفة المصنوعة عمدا، بينما هو رجل أهان القضاء وهو فى السلطة وعجز عن تطهيره، وأهان الشعب عندما انحاز لجماعته وفريقه، وكرر نفس الشىء، ولم يستغل الفرصة فى توجيه كلام لشعب يفترض أنه يريد تعاطفه، واكتفى بحركات تعجب عشيرته، فشل فى السلطة أو التسلط أو الديمقراطية وفرق وقسم الناس، وسوف يعلن التاريخ استقالته قائلا لمرسى وجماعته «فشلت تبقى ديكتاتور مستبد وفشلت تبقى ديمقراطى عادل وفشلت تبقى رئيس عادى وفاشل حتى وأنت بتتحاكم أعملك إيه حيرتنى».