نحن مجتمعات تتكلم كثيرًا، بينما كل طرق الحوار بيننا وبين الآخرين مسدودة، لذلك معظم نقاشاتنا تحولت إلى اتجاه واحد، إما أن أقنعك، وإما أن أسبك، وبالتالى فنحن نعيش حوار الطرشان، وامتد حوار الطرشان من البيت فى الزواج والعلاقات العاطفية إلى الشارع، وعلى الفيس بوك.. فى السياسة، لماذا أدمنا حوار الطرشان؟ وما الذى أدى بنا إلى امتهان الآخر فى المناقشات، وكأن طرح وجهات النظر تحولت إلى رغبات فى طرح الآخر أرضًا؟
الدليل على ما وصلنا إليه من حال كلمة «ماتحوّرش» نسمعها دائما فى البيت والشارع وبين الأصدقاء، وكما لو أن الحوار «سبة» أو «شتيمة»، والمعنى أن فى العقل الجمعى، لدى مجتمعنا، أنه لا جدوى للحوار، أو أن العلاقة التى تبدأ بالحوار، لا يمكن وصفها إلا بالسوء!
لا أحد يدرى إن كانت «كلمة ما تحوّرش» تنم عن كراهية للحوار أساسا أم أنها تعنى أن الحوار فى بلادنا أصبح نوعا من «التحوير» للمعانى والكلمات، وبالتالى لم يعد حوارًا مقبولاً فى بيوتنا وفى شوارعنا، وعلى المستويات الأعلى وفى وسط الأزمة السياسية الحوار مفقود، وكل قنوات الحوار أصبحت مسدودة تمامًا، بينما الطريف مرة أخرى، أننا مثلما لم نعد نجيد ثقافة الحوار، فإننا أيضا لا نجيد ثقافة الاستماع. المشكلة واضحة جدا فى البيوت وبين الأزواج، فالبيوت المصرية تعانى أزمة شديدة فى الحوار، لذلك فالكثير من العلاقات العائلية تكلست بعدما تجمدت الكلمات بين الزوج والزوجة وبين الأبناء وبين الجيران، كله زعيق زعيق، يقول خبراء إن غياب ثقافة الحوار من مجتمعاتنا بدأ من البيوت، وانتقل إلى ساحات السياسة، لكن فى المقابل، فإن الحوار فى حياتنا سلبى، لأنه لا يخرج عن كونه أحد الأنواع التالية: الحوار العدمى التعجيزى، وحوار المناورة، والحوار المزدوج، والحوار السلطوى «اسمع واستجب»، وحوار البرج العاجى، وهو حوار أغلب مثقفينا، مؤكد أن غياب ثقافة الحوار غيب ثقافة فهم الآخر، أو حتى الاعتراف به، ما ينقلنا من «الواقع» إلى «تصورنا للواقع»، لذلك لم نعد موضوعيين، وأصبح أكثرنا غير متسق مع نفسه فى آرائه وفى وجهات النظر بالنسبة للتصرف المفترض حدوثه.