ابتليت مصر على مدى تاريخها بحكام تعاملوا معها وكأنها زوجة منكسرة والحاكم هو زوجها المستبد الذى يهينها ويسىء معاملتها كيفما يشاء, لا يعرف قيمتها ومكانتها ولايقبل أى خروج عليه أو اعتراض على أفعاله, يرى دائما أنه على صواب مهما كانت أخطاؤه وخطاياه.
ويقابل أى محاولة للخروج عليه أو الاعتراض على فساده أو فشله بمزيد من العنف والحماقة.
هذه الأفة التى تصيب حكام مصر المستبدين فى مفهوم علاقتهم بمصر تجعلهم يتصورون أن خروج الشعب عليهم حالة نشوز, ويتصورون حتى النفس الأخير أنهم يستطيعون إعادة الشعب إلى بيت الطاعة حتى إذا خلعهم الشعب أو عزلهم.
يتصور كل منهم أنه هو فقط من يملك حق إنهاء هذه العلاقة, التى يعمل بكل ما أوتى من قوة على ألا تنتهى, ولا يعترفون بالواقع إذا أسقطهم الشعب وأطاح بهم, فيتخيلون بعد سقوطهم أنهم مازالوا حكاما طالما لم يتنازل أى منهم عن الحكم بمحض إرادته.
حدث هذا مع الرئيس المخلوع مبارك والذى أكد محاميه فريد الديب أنه لم يتنحى ولا يزال رئيساً للجمهورية بحكم القانون, رغم قيام ثورة يناير التى خرج فيها الشعب ثائرا ليخلعه, وتكرر المشهد فى محاكمة الدكتور محمد مرسى الذى ظل خلال المحاكمة يؤكد أنه الرئيس الشرعى للبلاد متجاهلا إرادة الملايين الذين خرجوا فى 30 يونيو مطالبين بإسقاطه, وذلك لمجرد أنه لم يتنازل عن الحكم أو يعلن تنحيه عن الرئاسة بمحض إرادته, وكأن إزاحة الحاكم الفاشل أو المستبد لابد أن تكون بإرادته وبرغبته, وإلا فإنه يعتبرها باطلة لأنه لا يعترف بإرادة الشعب, وكأنه يعتبر مصر زوجته التى لابد وأن يرمى عليها يمين الطلاق كى تنتهى علاقته بها, بل إنه يتوهم إمكانية إعادتها إلى عصمته فى شهور العدة كما توهم مبارك ومحاميه الذى أكد أنه لم يكتب خطاب التنحى, وأن التنحى لم يقع, وبالتالى فهو يعتبره لايزال رئيسا لمصر !!
وهو نفس ما حدث مع الرئيس المعزول مرسى الذى ظن أن عدم إعلانه أو كتابته لخطاب تنحى وعدم موافقته على ما ارتضته الملايين التى خرجت ضده يبقيه رئيسا لمصر، لأنه لم يلق يمين الطلاق عليها.
ما توهمه المخلوع والمعزول يجعل مصر على ذمة أكثر من رئيس وحاكم, بل يمكن طبقا لهذا المنطق أن يصبح ما طالب به البعض منذ سنوات بأحقية أحمد فؤاد ابن الملك فاروق فى حكم مصر أمرا منطقيا لأنه وببساطة وطبقا لتبريرهم الذى أثار التعجب والدهشة وقتها فالملك فاروق تنازل له عن الحكم بعد قيام ثورة يوليو, كما يصبح من حق الرئيس محمد نجيب لو كان على قيد الحياة أن يطالب بحقه فى حكم مصر لأنه لم يتنازل ولم يتنح.
إذن فمن حق أربعة حكام سابقين طبقا لهذا المنطق العبثى المطالبة بحكم مصر والادعاء بأنهم الحكام الشرعيون لها, ويصبح الرئيس القادم لمصر بمثابة الزوج الخامس المطعون فى شرعيته لأحقية أربعة حكام قبله فى حكم مصر, وكأن مصر كانت تعيش فى الحرام طوال تاريخها الماضى منذ قيام ثورة يوليو وعزل الملك فاروق وتنازله عن الحكم لابنه, وكأننا نتحدث عن زوجة وليس عن وطن يضم شعبا له إرادة حرة، يمكنها أن تكسر قهر وفشل واستبداد الحكام وتطيح بهم إذا ما تعاملوا مع هذا البلد العريق، هذه المعاملة المهينة وكأنهم يتعاملون مع زوجة مسلوبة الإرادة.
تلك هى أفة حكام مصر السابقين فى التعامل معها كزوجة وليس كوطن وشعب حر وهى الأفة التى لابد وأن ينجو منها رئيس مصر القادم، حتى لا يلحق بسابقيه.