يقف الآن بعض منظرى الحياد المموه فى منطقه ما بين الأسود والرمادى، فهم لا يتبنون موقفا محددا تجاه الدستور والتسويق له، ويكتفون باعتلاء منابر الوعظ والإرشاد بحديث ظاهره الحكمة والرحمة والتعقل وباطنه المكر والعذاب!!
الرماديون يستخدمون أحداثًا وملابسات لدساتير وإعلانات دستورية سابقة، ويخلطون الماء بالزيت ظنا أن هذا الطرح قد يمر، وكأن فترة حكم الإخوان، ومن قبل انفرادهم بالمجلس العسكرى بعد 25 يناير يكافئ نفس التوحد الوطنى بعد 30 يونيو!! ويسطحون الأمور فيقارنون بين حقبة انفرد فيها الإخوان وبعض توابعهم بالقرار السياسى وكتابة الدستور ومن ثم الحكم، وبين دستورنا الجديد الذى تكاتفت فيه كل القوى السياسية من اليسار لليمين مع حزب النور السلفى والأزهر والكنيسة وممثلى مؤسسات الدوله، ومن هذه الخلطة الباردة، يخرج الرماديون بتنظير مسطح مفاده أن الليله هى البارحة وأن المماراسات واحدة، وإن تغيرت الوجوه فى مغالطة من العيار الصفيح!!
من المستقر فى الوعى العام المصرى الآن وقد يكون العربى أيضا «إلا المتربصين»، أن مصر عادت من الاختطاف، وأن خطوات إعادة تملك الوطن تجرى على قدم وساق على جغرافية خارطة طريق وافق عليها الشعب وأيدها الجيش المصرى، ومن هنا يصبح الحديث عن دستور لكل المصريين واجبا وحقا، والحديث عن تبصير الناس به فرض عين، كما أن الاختلاف معه أيضا وارد فى بعض من البنود «المائتين وسبعة وأربعين»، وهل من العقل أن يتفق أطراف على كل هذا العدد الضخم من البنود؟! ولكن المحك الرئيسى هو المستهدف والمتحقق من نفس الدستور، وهل نسبة تحقيقه مرضية أم لا؟! هل نرى فى هذا الدستور هوية مصر أم لا؟! هل نصوص الحقوق والواجبات والحريات متوازنة أم لا؟! هل هناك نظام سياسى يتناسب وطبيعتنا أم لا؟!
يحاول بعض الرماديين أن يجعلوك تنظر لنفسك أثناء تسويقك لدستور تثق به على أنه معركة مكررة، وأنك تفعل مثل ما فعل مخالفوك!! وقد يطرحون أيضا أنك لا ترى إلا مصالحك السياسية، وتنظر لها فى حين أن اقتناعنا بمجمل دستور مصر الجديد هو الدافع الوحيد للتنظير له، وعندنا من الإثباتات الكثير، ويكفى أن دستورنا الجديد لم يقص أحدا إلا داعمى الإرهاب والعنف ورافضى الاتساق مع نداءات الشعب فى ميادين 30 يونيو.
يقول السوداويون، إن التسويق للدستور بالاستقرار عار!! غافلين أن الدساتير تمهد لأولى درجات الوضوح السياسى، وتؤسس لنظام حكم واضح المعالم يخرج البلاد من حالة ثورية مترامية السلطات والاتجاهات، ولكن الاستقرار الذى نعنيه يعنى مصر بالكامل، ويحقق مصلحة كل المواطنين %98 من الفرق السياسية وليس لحساب فصيل واحد يستقوى على المصريين!!
ثم إن التسويق للدستور بإعادة الإنتاج واستقرار السوق واستدعاء الاستثمار لهو من قبيل المنطق والعقل، ولا يفوتنى هنا الدعاية التى أطلقها الإخوان لدستورهم «بالدستور العجلة تدور» ولم يفسروا أن شرط دورانها أن تكون لمصلحتهم فقط، وأن تكون إقصاء لكل من هو دونهم!
يقول الرماديون، إن نغمة الشريعة أيضا حاضرة فى التسويق لدستور 2013 وقد تبناها حزب النور، ويتناسون أنها نفس الاهتمامات لنفس الحزب فى كل الاستحقاقات السياسية واعترافه بها فى هذا الظرف السياسى الخطير دليل على جودة الدستور، وليست قرينة تؤخذ ضده! وفى نفس الوقت فكل لاعبى السياسة يتفهمون رسائل حزب النور لجماهيره وطمأنتهم، ونحن نقدر هذا ونستوعبه ولكنها الآن جزء من متعدد تظهر فيه طلبات القوى السياسية بكل وضوح، وفى حضور واضح وقوى للأزهر والكنيسة، وكل مؤسسات الدولة الفاعلة، لأننا- وبكل وضوح- لا نريد دستورا يعادى الأديان، كما لا نريد دستورا يغفل الهوية الثقافية المصرية متعددة المشارب والاتجاهات والألوان والعصور.
يحاول السوداويون وحواريوهم من الرماديين أن يشككوا المصريين فى رؤيتهم ويصيبوهم فى واقعهم ومحدداته، ويحاولون أن ينالوا من زخم هذا الدستور تحت دعاوى التعقل!!، إن تلك المغالطات المستمرة للوقوف أمام إرادة 30 يونيو لن تفلح لأن الشعب بكامل قطاعاته استهلك فى معارك سياسية بما فيه الكفاية، واكتسب خبرات تؤهله للوقوف مع خيط النجاة الأخير وهو دستور مصر 2013.