هل فقد المصريون قدرتهم على التنكيت وصناعة البهجة؟. سؤال يطرح اليوم، وكان يتكرر كثيراً خلال العقود الماضية، وسوف يظل قائماً فى كل مرحلة انتقالية متوترة. أحدهم على «فيس بوك» التقط صورة لعربة فى مترو الأنفاق تظهر الركاب جميعاً متجهمين وصامتين، ليبرهن على أن المصريين فقدوا قدرتهم على السخرية والبهجة، والحقيقة أن من اعتادوا ركوب المترو، يعرفون أن ركاب مشوار الصباح يكونون عادة متعجلين ومتوترين، لكن هذا لايمنع من التساؤل عن مصير السخرية والتنكيت مع المصريين عموماً، أين ذهبت ضحكة المصريين؟.
قبل مظاهرات يناير وبعدها لم يتخل المصريون عن التنكيت والبهجة، حتى فى أحلك اللحظات، فى التحرير بدت عملية تضامن واسعة فى الميدان وكان التوحد والشعور بالأمل فى التغيير للأفضل من دون أثمان باهظة يمكن أن يدفعها هؤلاء الذين شاركوا معاً فى المظاهرات. كان المثاليون يتصورون أن التغيير بسيط وسهل، حتى إن المتظاهرين بعد انتهاء المظاهرات نظفوا الميدان، تصوروا أنهم بلغوا النهاية، لكن الأمور كانت أكثر تعقيدا، بدأت عملية تبادل أدوار وجمع غنائم لحرب لم تنته، فقد جاء أوان السياسة، وسارع بعض المتظاهرين ليحتلوا منصات الزعامة، من دون إمكانيات، أو أصبح الزعماء نشطاء ثم سياسيين، والسياسيين إعلاميين، والإعلاميون نشطاء. وانصرفت النكتة عن المصريين، وفضل الساخرون التجهم، وارتدوا ملابس الزعماء، ومع الوقت حل ثقل الدم والاكتئاب مكان خفة الدم.
كان التنكيت على مبارك ونظامه، أبرز سمات ثورة 25 يناير، مما جعلها ثورة خفيفة الدم، وبدت عملية سقوط الديكتاتوريين العرب مثل بن على، ومبارك،وعلى صالح، فى حد ذاتها نكتة كبيرة، وكان تفاعل الحكام والرؤساء معها نوعاً من العبث الكوميدى.
فهمتكم.. جملة زين العابدين بن على الرئيس التونسى قبل فراره، وأصبح «زين الهاربين بن هرب». ثورة تونس والانتحار فى مصر تحولا إلى «إفيهات»، ولم يكن كثيرون يثقون فى عدوى التنحى.. وشاعت إفيهات: منها «الشعب التونسى أراد الحياة فاستجاب القدر.. الشعب المصرى أراد «الحياة» لقاها على تردد 11255.
لكن الثورة ظلت تتمسك بخفة دمها، وتحولت كلمة مبارك: خليهم يتسلوا، فى التحرير إلى «أدينا بنتسلى». تنحى مبارك، وظلت النكات مستمرة، مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس 2011، عن الطوابير والحبر الفسفورى، و«الصباع» البمبى، وانتقل الشعب المصرى من مرحلة التصوير مع الدبابة إلى مرحلة التصوير مع صباعه». وبين أنصار «نعم» و«لا»، ولم يكن الاستفتاء نهاية المطاف ولا نهاية سعيدة، فقد انقسم المصريون للمرة الأولى وبدأ الصراع والدم والخوف.
صحيح استمر التنكيت مع المجلس العسكرى والإسلاميين، أصبح الحزب الوطنى محلولاً ومحظوراً، بينما جماعة الإخوان محظوظة، وخرج السلفيون من الظل إلى حزب «النور». وبقى التنكيت مع الدكتور مرسى «دونت مكس». لكن نسبته تراجعت.
المصريون كانوا يضحكون على السياسيين، واكتشفوا أن هناك من يضحك عليهم، وساد الوجوم والصراع وحلا مكان السخرية. وحتى الفنانين الساخرين، ارتدوا ملابس الزعامة، وتخلوا عن خفة الدم، وارتدوا لباس الناصحين. وسرق السياسيون والانتهازيون ضحكة المواطنين أكثر من مرة.