تحزن حينما تجد رموز الثوار وقياداتهم الشابة تقف خلف الأسوار لتحاكم على أعمال صبيانية طائشة لم يكن لها مبرر من الأساس. وتحزن أكثر حينما تقرأ فى استطلاع ميدانى أن أكثر من 76% من المواطنين لديهم اتجاهات سلبية ومشاعر سيئة تجاه الثوار والنشطاء السياسيين وأن 71% من المشاركين فى الاستطلاع يعتقدون أن الثوار الحاليين لا يمثلون إلا أنفسهم ولا يسعون لغير مصالحهم. قد نتفق أو نختلف على نتائج تلك الاستطلاعات ومدى حيادها وصحتها.
لكننا لا يمكن أن ننكر أن رصيد هؤلاء الشباب تناقص بشدة على كل المستويات الجماهيرية والسياسية. حتى إن مظاهراتهم الاخيرة التى قاموا بها لرفض قانون التظاهر لم تحشد الناس خلفهم بل حشدت الناس لمواجهتهم وهذه علامة فارقة كان يجب أن يلتفتوا لها بدلاً من ثورتهم غير المبررة على النظام الانتقالى الحالى. فقديما كان الناس يقابلونهم بالأعلام واللافتات وأكاليل الغار وتحول المشهد فجأة ليقابلهم الناس بالعصا والشوم والطوب. كان عليهم أن يعترفوا بهذا الخلل.
كما علينا أن نعترف أن هناك العديد من الفئات والطبقات انتظرت واجتهدت للوصول إلى تلك اللحظة ولسنا بصدد تقييم أخلاقى بين المستفيدين من نظام مبارك وبين شباب الثوار لأن السياسة لا تعرف الأخلاق. ولكن بالتأكيد ضحكات مبارك وأبنائه التى بدأت تنتشر فى الصحف والإعلام مؤخراً لها مدلول واضح بأن نتائج المباراة الآن لصالح مؤيديه. فقد قام الشعب بثورة مستحقة على جشع وغباء الإخوان وحملهم الفلول فى مقابل ذلك كل الكوارث التى حدثت لنا منذ أيام الهكسوس، ومروراً بالتوربينى وحتى قطار دهشور وخرج النظام السابق ورجاله من كل المصائب كالشعرة من العجين. ثم جاءتهم فرصة ذهبية لاستغلال حماقات وتهور شباب الثوار الذين فشلوا تماماً فى جذب تعاطف أو تأييد الجماهير بل ظهروا كمروجين للفوضى والعنف.
لذلك لم يعد غريبا أن يخرج علينا معظم رجال مبارك مرة أخرى بابتسامتهم الصفراء لينقدوا وينصحوا ويقودوا البلاد فى السياسة والاقتصاد بعد أن خلت الساحة لهم مرة أخرى وأصبحوا المبشرين بالمناصب والمقاعد والأبهة والمزيد من الثراء. ولكن يبقى السؤال هل عادوا لأنهم أذكياء أم لأن الآخرين كانوا أغبياء. وأين موقعنا من كل هذا الخراب؟