فى 11 ديسمبر 1911 ولد نجيب محفوظ، وقبله بخمس سنوات فقط ولد حسن البنا، وفى 1928 كان محفوظ فى المرحلة الثانوية، بينما كان البنا قد أعلن عن تأسيسه جماعة الإخوان المسلمين!
الآن وفى الذكرى الثانية بعد المائة على ميلاد أديبنا الكبير، ماذا بقى من محفوظ، وما مستقبل الإخوان؟ وكيف كانت طبيعة العلاقة بينهما؟
بنظرة سريعة سنكتشف الآتي:
• أخلص نجيب محفوظ لفن الرواية، فوضع أعمدته حتى صار يشار له بالبنان فى الكوكب كله، وتوج جهاده الإبداعى بحصوله على جائزة نوبل فى الأدب عام 1988، وهى أرفع الجوائز العالمية فى هذا المجال، الأمر الذى رفع اسم مصر عاليًا.
• قامت جماعة الإخوان على فكرة فاسدة تخاصم مفهوم الوطن، وتزعم أن هناك عداءً مفتعلاً بين الوطن والدين، وبعد كفاح مرير ملوث باغتيالات خطف الإخوان صولجان السلطة فى لحظة غفلة منا، لكن سرعان ما اكتشفهم الشعب وأزاحهم عن عرين الرئاسة فى مظاهرات باهرة انطلقت يومى 30 يونيو و3 يوليو الماضيين.
• غاص محفوظ فى رواياته فى النفس البشرية المصرية كاشفًا أنبل ما فيها، ناقدًا مساوئها المرفوضة فى صياغات روائية بالغة الرقة والعذبة، الأمر الذى يسهم لا ريب فى إثراء وعى القارئ وإشباع روحه.
• لم تقدم جماعة الإخوان مبدعًا واحدًا فى أى مجال طوال وجودها لأكثر من 85 سنة، فلم نر إخوانيًا نبغ فى العلم أو الفكر أو الأدب أو الفن، ذلك أن الجماعة ذات أفكار متشنجة لا تعادى الآداب والفنون فقط، بل تُحرّمها أحيانًا، ما يجعل عضو الجماعة الموهوب يقهر أية ملكة إبداعية داخله حتى لا يتعرض للوم أو التقريع من قادته، هذا إذا لم يستعد هذا الموهوب رشده ويهجر تلك الجماعة المنغلقة!
• فى حوار مع أخبار الأدب قبل رحيله بعامين "غاب عن دنيانا فى 30 يونيو 2006" قال نجيب محفوظ إن مصر تريد أن تجرب الإخوان، وهو ما تحقق بالفعل، لكن حصافة الأديب الفذ لم تشأ أن تكمل العبارة، إذ أن مصر تريد أن تجرب الإخوان حتى تكتشف هزالهم الفكرى والسياسى فتتخلص منهم، وهو ما كان بالفعل!
• أول اعتداء من جماعة الإخوان على نجيب محفوظ كان فى عام 1959 حين قاد الشيخ محمد الغزالى عددًا من طلاب الأزهر وذهبوا إلى مقر جريدة الأهرام وراحوا يقذفونه بالطوب والحجارة حتى حطموا النوافذ، والسبب أن الأهرام بدأ ينشر رواية محفوظ الأسرة "أولاد حارتنا"، وهى فى نظرهم رواية ضد الدين، وقد نسى هؤلاء أن معايير نقد الأدب تختلف تمامًا عن قوانين الإيمان والكفر، وحسنًا فعل الأستاذ هيكل –رئيس تحرير الأهرام حينئذ– حيث أصر على استمرار النشر ولم يخضع للإرهابيين ضيقى الأفق.
• أما الاعتداء الثانى فقد طال جسد محفوظ نفسه فى سنة 1994، حيث تقدم منه شاب جاهل لا يتجاوز عمره 22 سنة، وطعنه فى عنقه طعنة خسيسة، لكن الله ستر، وأنقذت حياة أديبنا الكبير، وعاش بعد ذلك 12 عامًا كاملة.
• فى 11 ديسمبر 2013 يحتفل العالم كله بمولد أديب مصرى عظيم، فيعقد مؤتمرات وينظم ندوات تشرح كيف "بنى" هذا الروائى الجليل وجدان المصريين ورقق مشاعرهم، بينما طلاب الإخوان أمس "يهدمون" ويحرقون ويتلفون ويعتدون على البشر والحجر والمعادن!
• تعالى نُعمل خيالنا ونتوقع ماذا سيكتب التاريخ بعد 100 سنة عن محفوظ والإخوان، علمًا بأننا سنتكئ على قراءة تجارب مشابهة فى التاريخ القديم، فجماعة الحشاشين الإرهابية، على سبيل المثال، ظهرت فى مصر والشام وإيران قبل ألف سنة تقريبًا واستمرت تقتل وتحرق نحو 200 سنة، لكن الشعوب نفرت من أفعالها ولفظتها فأسقطها التاريخ من حساباته، لكنه احتفى ومازال بشاعر عظيم اسمه المتنبى كان معاصرًا لتلك الجماعة تقريبًا، لأنه أفاد العرب والبشرية بإبداعه الشعرى المدهش والمثير.
الأمر نفسه سيحدث لا ريب مع محفوظ والإخوان، بإذن الله، فأديبنا القدير أخلص لإبداعه، ومنحه عصارة روحه وعطر موهبته، فتلقى التكريم اللائق به من الشعب المصرى والعربى والعالمى، لذا سيظل اسمه يتردد بكل تبجيل من قرن إلى آخر، ومن ألفية إلى أخرى مثل المتنبى وشكسبير، بينما جماعة الإخوان بعد 100 ستذكر بوصفها بومة سوداء مرّت على مصر فى زمن أغبر، لكن الشعب قاوم أفكارها المشبوهة ببسالة وأسقطها، وهكذا ستلقى الجماعة مصير جماعة الحشاشين، فيتذكرها الناس بسوء فترة ويلعنونها، ثم تنساها الأجيال التالية كما تنسى اسم مؤسسها حسن البنا، مثلما حدث مع الحشاشين بالضبط، فى حين سيظل اسم محفوظ ساطعًا ومضيئًا إلى أبد الدهر لا فى سماء مصر العظيمة فحسب، بل فى سماوات العالم كله!