ناصر عراق

مِمَ يخاف المصريون؟

الجمعة، 13 ديسمبر 2013 05:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا كنت من سكان القاهرة مِثلى، ستكتشف بسهولة أن المصريين باتوا أسرى للهاث، فالكل يجرى ويهرول ويهرع بغض النظر عن طبيعة عمله، حتى كأن الجميع فى سباق من أجل الحصول على جوهرة ثمينة أو كنز مخبوء.

ما سر هذا اللهاث الذى يبدأ فى السادسة والنصف صباحا، ولا يتوقف قبل منتصف الليل؟ بغض النظر عن طبيعة الطقس، فإذا كان الجو باردا ازداد إيقاع اللهاث، وإذا كانت الشمس محرقة لم يقل الإيقاع، لكنه يغدو مقترنا بسخط وغضب وضجر!

إنه الخوف يا صديقى.. أجل.. الخوف، فسرّ اللهاث يكمن فى الخوف.. ليس الخوف مما يحدث فى السنوات المقبلة، بل الخوف مما يحدث لا فى الساعة القادمة فحسب، بل فى الدقيقة أو اللحظة التالية، فالكل يصارع من أجل الحصول على الخبز، فيسرع الواحد منّا نحو المخبز عسى أن يلحق شراء نصيبه قبل أن ينفد، ثم يقفز فى الأتوبيس أو المترو أو الميكروباص بسرعة ليقتنص مقعدا يجلس عليه، أو مكانا معقولا يقف فيه قبل أن يختنق فى الزحام، أما سائق الميكروباص فيقود عربته بسرعة جنونية حتى يستطيع أن يجمع أكبر قدر من المال ليسدد أقساط الميكروباص! وصاحب السيارة يزاحم ويسرع عسى أن يجد موقفا "يركن" فيه سيارته قبل أن تتعقد الأمور، فيظل يلف ويدور بحثا عن أربعة أمتار يودع فيها سيارته بلا جدوى!

هذا اللهاث انتقل وفقا لقانون العدوى إلى كل مكان وأى شىء، فعند اضطرارك إلى التعامل مع جهة حكومية عليك الإسراع لتنجز أوراقك، قبل أن يتراكم الناس على الشباك بلا نظام، فتزعج الموظف المسئول، وقد يهدد بوقف المعاملات وإغلاق الشباك! وإذا كنت تريد أن تبتاع شيئا، أى شىء، مهما كان بسيطا مثل الفول والطعمية، ستلحّ على البائع حتى ينجز طلبك قبل الآخرين الواقفين فوق كتفك، خشية أن يحدث طارئ ما فتتبدد الطعمية "ويخلص" الفول!

إذن.. سكان القاهرة "مفرومين" فى طاحونة يومية من أجل الحصول على المطالب الرئيسية فى الحياة، وهى مطالب بسيطة تحققها كل الدول لشعوبها بيسر، مجرد خبز وفول وطعمية ومكان كريم فى مواصلة عامة، والأفضل حالا يفتش عن "ركنة"، أو يستقل سيارة تاكسى، فيجد صاحب السيارة يلهث هو الآخر، فيقطع الطريق بسرعة متجاهلا قواعد المرور حتى يصل أسرع، ويجمع أكبر قدر من المال ليسدد الأقساط هو الآخر... وهكذا دائرة مجنونة تحاصر المصريين كل يوم، بلا أمل فى التحرر منها، أو التخفيف من حدة دورانها المتسارع، حتى كدنا ننسى الابتسامة ونخاصم خفة الظل، وقد كنا أكثر الشعوب العربية ميلا للضحك، وانحيازا للنكتة النظيفة.

إذا سألتنى مَنْ السبب فى ذلك؟ ومَنْ الذى زرع فى نفوس المصريين هذا الشعور الموجع بالخوف؟ ومَنْ الذى خطف من أرواحهم البسمة الصافية الرائقة؟ سأجيبك عن الفور.. إنها الحكومات المتعاقبة التى مرت على مصر فى الأربعين سنة الماضية، فالسادات ومبارك ومرسى، كلهم اقترفوا من الجرائم فى حقنا، نحن المصريين، ما يجعلهم يدخلون التاريخ من أبواب اللعنات، فكم أهمل هؤلاء الحكام مطالب الناس، وراحوا يفسدون وينهبون ويخلخلون بناء الدولة، هم وأنصاهم ومريدوهم، تاركين الشعب يلهث ويكابد ويعانى، حتى استشرت بيننا أتعس الخصال، بكل أسف، من أول الفهلوة والنصب والاحتيال حتى عدم تجويد العمل وإتقانه، بل والاستخفاف بالمهارة والجدية والدأب.

إن الرئيس المقبل لمصر إذا لم ينتبه إلى "شعور الخوف من اللحظة القادمة" الذى يعترى جميع المصريين، ويعمل من أجل نزع جذور هذا الخوف من صدورهم بأقصى سرعة.. إذا لم يفعل ذلك فسيخسر كثيرا، ولن يهنأ بفترة رئاسة، ولن يتلذذ بكرسى العرش!

أيها الرئيس المقبل.. مِن فضلك أحبب المصريين، وانزع عنهم شعور الخوف من اللحظة التالية!






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة