عندما وصل الإخوان إلى حكم مصر أعلنوا الحرب على حرية الإعلام والإعلاميين ونشرت تقارير دولية ومصرية كثيرة عن الانتهاكات التى وقعت بحق الإعلام فى زمن الإخوان، لكن كل هذه التقارير تقف عند رصد الانتهاكات والتصريحات العدائية للإخوان ضد الإعلام، لكن لم تظهر تفسيرات مقنعة لأسباب العداء بين الإخوان والإعلام. أعتقد أن تفسير هذا العداء يرجع إلى أن جماعة الإخوان رغم اهتمامها بالصحافة والإعلام إلا أن لديها رؤية قاصرة ومحدودة غير قابلة للتطبيق وتعتمد هذه الرؤية على أربعة مصادر تشيع فى كتابات الإخوان وجماعات الإسلام السياسى وهى:
أولا: التأكيد على الطابع العقيدى والشمولى للإسلام، وبالتالى الدمج بين الإسلام والدعوة حيث يصبح الإعلام مجرد أداة دعوية ودعائية، فالإعلام بحسب أحد الباحثين له خمس وظائف هى نشر عقيدة التوحيد، وتقويم بنيان المجتمع وتوفير المعلومات الصحيحة، وتجميع طاقات المسلمين والتصدى للحملات التى تواجه المسلمين، وإذا أضيف هدف أو ظيفة الترفيه فإنها محكومة بأحكام الشريعة الإسلامية، وبشكل عام فإن ضوابط الاتصال أو الإعلام فى الدولة الإسلامية هى ضوابط عقدية، وضوابط شرعية، وضوابط أخلاقية.
ثانيا: إضفاء كل ما هو إيجابى وصالح أو مرغوب فيه العمل الإعلامى على الإعلام الإسلامى، علما بأن كل هذه السمات الإيجابية منصوص عليها فى مواثيق الشرف الإعلامى ومدونات السلوك الصحفى قبل ظهور جماعة الإخوان نفسها عام 1928!! لكن كل ما يقوم به هؤلاء الإسلامويون هو إلصاق كلمة إسلامى بتلك الصفات والمعايير المهنية، وانتحالها لأنفسهم.
ثالثا: تجارب الأنظمة الشمولية فى توظيف الإعلام كأداة دعائية ايديولوجية لخدمة مصالح النخبة الحاكمة، وفى مقدمتها تجربة هتلر وستالين وموسولينى ثم مبارك إضافة إلى تجارب حكومات إسلامية فى السودان وإيران وتركيا، والفرضية التى أطرحها هنا أن هذه التجارب كانت وراء موقف الإخوان العدائى من حرية الإعلام ودوره فى المجتمع، لذلك تبنت الجماعة النموذج الإعلام السلطوى الذى كانت ترفضه وتعارضه فحاولت توظيف المنظومة الإعلامية الحكومية للدفاع عن السلطة الجديدة وتبرير سياساته ومواقفه والترويج لها بين المواطنين، من خلال الاعتماد على وسائل الإعلام التابعة للجماعة، والسعى نحو الهيمنة على الإعلام الحكومى وترويض واحتواء الإعلام الخاص، وتهديد وإرهاب الإعلاميين.
رابعا: محاولة أسلمة الإعلام من خلال تأويل أشكال الاتصال والتواصل الأولية فى عصر النبوة والخلفاء الراشدين باعتبارها تسبق نماذج ونظريات الاتصال والإعلام المعاصر، وأحيانا تتفق معها، وهو نوع من التأويل والتوظيف البعدى لظواهر تاريخية إسلامية، ولاشك أن الرسول الكريم وصحابته قدموا نماذج فاعلة ومؤثرة فى الاتصال تعتمد على الموعظة الحسنة والحوار والتسامح والابتعاد عن التعصب والكراهية، لكن هذه النماذج الرائدة فى حينها تختلف كلية عن أمرين، الأول: الأسلوب الفظ واللغة العنيفة أو التكفيرية التى يعتمدها بعض الدعاة وشباب الجماعات الإسلامية، والثانى: ظواهر الاتصال الجماهيرى فى المجتمع الحديث وأدواته، والنماذج والنظريات التى ظهرت فيه، ومن ثم فإن محاولات الربط التعسفى -سواء بالتأويل أو ادعاء الاتفاق- بينها وبين النظريات أو الممارسات الحالية فى عصر صناعة الإعلام والمعلومات وفضاء الإنترنت يدخل فى سياق المتجارة بالدين ودغدغة مشاعر المسلمين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة