لو كان الأمر بيدى لجعلت الاستفتاء على الدستور فى أقرب فرصة، ولا ننتظر حتى 14 يناير المقبل، كما قرر السيد رئيس الجمهورية فى خطابه أمس، ذلك أننا فى حاجة ماسة إلى دخول وادى الاستقرار، وإقرار دستور جديد لمصر هو المدخل الأول لهذا الوادى، ومع ذلك قد يكون التأجيل لأكثر من شهر منذ الانتهاء من كتابته حتى الاستفتاء عليه أسبابه لدى المسئولين، لكن المهم ماذا بعد الموافقة على الدستور؟
كل الدلائل تشير إلى أن الغالبية العظمى من المصريين ستوافق على الدستور، فقد كتبته لجنة تمثل هذ الغالبية بكل فئاتها وتياراتها وتوجهاتها وميولها السياسية، وإذا كان هناك بعض الخلافات على بند هنا أو هناك، فهو أمر طبيعى مرّ على دول أخرى قبلنا، فالدساتير مرآة لتوازن القوى فى المجتمع لحظة كتابته، ولأنه كتاب غير مقدس، فإن التعديل فى مواده أمر وارد فيما بعد، ومع ذلك علينا الإلحاح على السؤال.. ماذا بعد تمرير الدستور؟
إن أكبر مشكلة ستواجه الحكومة المقبلة ورئيسنا الجديد تتمثل فى ضرورة توفير حد أدنى من الحياة الكريمة لملايين المصريين، فقد اكتوى الناس بالغلاء، وضجروا من بؤس الخدمات، وها هى حفنة أمطار تهطل على مصر فى الأيام الماضية فتفضح الأداء الحكومى المتراخى وتعريه، فتنقطع الكهرباء فى عدة مدن "فى البحيرة أربعة أيام متواصلة، والسويس 17 ساعة جريدة التحرير 15/12"، أما الطين والوحل وبرك المياه التى ملأت شوارع القاهرة والمحافظات، فحدث عنها ولا حرج. لقد غرقت حكومة الببلاوى فى شبر "ميه"، ولا عذر لديها فى كونها ورثت تركة ثقيلة تنعدم فيها الخدمات، ذلك أن واجب أية حكومة هو توفير الأمان للناس من غدر الطبيعة وألاعيبها، ومن إهمال الموظفين وفسادهم!
أجل.. تعب الناس طوال ثلاثة أعوام من الثورة ومن التشويش الثورى، فباتوا لا يعرفون من مع من ومن ضد من؟ لكنهم موقنون تمامًا أن الأمل فى حياة أكثر عدلاً وجمالاً غدًا أقرب، وأن غمة الإرهاب ونكد الإخوان فى طريقهما إلى زوال، وها هى انتخاب نقابة الأطباء أمس تطيح الجماعة للمرة الأولى من مجلس النقابة منذ عام 1976، وينجح فى التجديد النصفى 11 عضوًا من تيار الاستقلال، بينما يقتنص الإخوان مقعدًا وحيدًا بصعوبة.
إنها إشارة جلية توضح أن المزاج المصرى العام أدرك مؤخرًا أن الجماعة تناصبه العداء، وأن ما قامت به من أفعال مشبوهة واعتداءات مرفوضة بعد ثورة 30 يونيو ما هو إلا محاولات يائسة ضد العصر وضد اختيارات المصريين!
حسنًا.. الموافقة على الدستور وتمريره أمر مهم جدًا.. لكن الأهم ماذا بعد تمريره؟