الانتخابات النقابية هى انعكاس طبيعى لأوضاع سياسية، ونتيجة انتخابات نقابة الأطباء التى انتهت بخسارة جماعة الإخوان وحلفائها مؤشر على ما يحدث من تفاعلات سياسية، فهى الانتخابات الأولى التى تجرى بعد ثورة 30 يونيو، وهى الانتخابات التى تجرى بعد أن دانت هذه النقابة لسيطرة الجماعة منذ عام 1986، وعززت وجودها فى الانتخابات التى جرت بعد ثورة 25 يناير.
الظروف التى جرت فيها كل الدورات الانتخابية السابقة كانت مواتية لـ«الجماعة» تماماً، فعلى الصعيد السياسى كانت الجماعة تقدم نفسها بخطاب «المظلومية»، فى مقابل استبداد نظام مبارك الذى عمل على تفريغ النشاط النقابى من محتواه الحقيقى، وقدر ما كانت جماعة الإخوان تستهدف من وجودها فى النقابات أن تجعل منها منصة لها، كان نظام مبارك يسعى إلى أن تكون منصة له أيضاً، وفى هذه الآونة ساد منطق غريب من الإخوان وهو : «ترك النقيب للحكومة أما المجلس فهو لنا» وحدثت ترجمة فعلية له فى نقابة الأطباء التى استمر الدكتور حمدى السيد نقيبا لها سنوات طويلة، فيما كان مجلس النقابة إخوانياً.
بين المنصتين دخل العديد من النقابات حالة من الجمود، وأصبح ضحية لعبة «القط والفأر» بين الطرفين، وكان لحالة الإحباط العامة التى سادت المصريين دورا فى الانصراف عن النضال النقابى، مما ترك الساحة النقابية للإخوان تعززها قوة التنظيم، وشحن الناخبين من لحظة فتح باب اللجان للتصويت حتى إعلان نتيجة الفرز، وكلما كانت نقابة تذهب إلى الجماعة» كان الإحباط يتزايد وأمل تحريرها يتبخر، ساعد على ذلك حالة الضعف الكبيرة التى كانت عليها القوى السياسية الأخرى.
خصوصية نقابة الأطباء فى هذا المسار أنها كانت بمثابة الملعب الذى احتلته الجماعة، وأممتها لصالح أغراضها التنظيمية، وعبرها مدت ذراعها إلى البؤر الملتهبة فى العالم الإسلامى تحت مسمى لجنة الإغاثة التى كان يقودها الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، ولم تكن هذه اللجنة وعاء نقابياً خالصا لوجه الله، وإنما كانت كيانا تغطى بالنقابة شكلا، لكن مضمون رسالتها كان تقوية نفوذ الإخوان خارجياً.
نتيجة انتخابات نقابة الأطباء وأعتقد أن الدور سيأتى على نقابات أخرى، بدأت منذ حكم مرسى وجماعته، فخلال تلك الفترة لم يعد لخطاب «المظلومية» قيمة، وبالتالى انتظر المصريون منهم برنامجا للنهوض وليس كلاما للشكوى.
يحق للذين ناضلوا طويلا من أجل نقابات وطنية حرة مستقلة، أن يسعدوا بهذا النصر الكبير لأنه تتويج لنضال حقيقى، كما أنه يضع جماعة الإخوان فى حجمها الحقيقى.