بلاشك، فإن الموجة الثانية لانتفاضة يناير فى 30/6 لم تكن نتيجة لمحاولة اختطاف يناير وأخونة الدولة واختصارها فى تنظيم الإخوان فقط، ولكن الأهم كان هو تفصيل دستور 2012 على مقاس هذه الجماعة بهدف دسترة وتقنين مشروعهم وتحقيق آمالهم فى أن تتم السيطرة على مصر قلب الوطن العربى ودرة المنطقة لتكون نواة لخلافتهم المتخيلة، وهنا فلا غرابة أن يأملوا فى حكم مصر خمسمائة عام، ولذا نجدهم يضعون فى جانب عودة مرسى عودة دستور 2012، ويصبح ليس من الغريب أن نجد الزعم والادعاءات والشائعات فى مواجهة مشروع دستور 2013، ذلك أن مشروع 2013 قد أعاد الأمور إلى نصابها السليم ووازن بين الهوية والحرية فلم تعد الهوية سيفًا مسلطًا على رقاب المواطنين لقهر حرياتهم والتمييز بينهم، مع العلم أن الهوية ليست مهمة الدساتير، فهى حالة لا يفرضها الدستور، بل هى نتيجة لتراكمات تاريخية وثقافية وحضارية بجوانبها المادية وغير المادية، قد تراكمت فى عقل الأمة عبر التاريخ حقبات فوق حقبات، وإن لم تتطابق الحقبات، ولكن يبقى فى الحقبة السابقة ما هو أصيل، ويضاف إليها ما هو مستجد من عناصر الثقافة والسياسة والاقتصاد والقيم، وفى دستورهم لم يكتفوا بالمادة الثانية، وهى مبادئ الشريعة المصدر الرئيسى للتشريع وهو نص توافقى يقبله المجتمع المصرى كله، ولكنهم أضافوا مجموعة نصوص تسمح بتحويل مصر مستقبلاً إلى دولة دينية كما تسمح- وهذا هو الأهم- بتقييد الحقوق والحريات العامة، بدعاوى دينية، فكانت مثلا المادة 219 وهى لو طبقت كانت تجعل آراء الفقة المحكومة بسياقاتها الثقافية والتاريخية منذ القرن الثانى الهجرى فى مجال الحقوق والحريات ووضع غير المسلمين مصدرا ملزما، ونحن فى القرن الواحد والعشرين، وكانت المادة الرابعة تلزم المشرع بأخذ رأى الأزهر بما يجعله وصيا على العملية التشريعية، كما كانت المادة 81 قد رهنت ممارسة الحقوق والحريات بألا تتعارض مع المقومات الأساسية، أى مع مبادئ الشريعة «وهذا لا خلاف عليه» ولكن لابد أن تكون وفقا لتفسيراتها فى مصادرها المعتبرة عند أهل السنة والجماعة، أما فى مشروع دستور 2013 فقد رأينا إزالته للألغام التى كانت تمهد لنسف الحرية باسم العقيدة، وكان واضحا فى الانحياز لحقوق الإنسان وحريته وقدم ضمانات فعلية تحول دون انتهاك الحريات وهى ضمانات كانت غائبة عن الدستور المعطل، فهناك تدابير كفيلة بضمان حق المرأة فى تولى الوظائف العامة وتمثيلها بشكل مناسب فى المجالس النيابية وتعيينها فى الوظائف العليا والقضائية دون تمييز، وحمايتها من العنف، وحماية النساء الفقيرات والمعيلات والمسنات، كما نص على التزام الدولة بالعمل على تمثيل الشباب المسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين بالخارج والعمال والفلاحين، تمثيلاً مناسباً فى أول مجلس نواب يجرى انتخابه، فى الوقت الذى انحاز فيه المشروع لحرية الصحافة، فقد نص على عدم جواز مصادرة الصحف، أو إغلاقها أو الرقابة عليه، فى حين كان دستور الإخوان يجيز إغلاقها قضائياً، ناهيك عن خطر العقوبات السالبة للحرية فى قضايا الرأى التى ترتكب علانية، وقد تكون هناك ملاحظات أو خلافات حول مادة أو أكثر ولكن السياق العام للمشروع يؤسس لبناء دولة ولترسيخ حالة من الاستقرار تتطلبها المرحلة الانتقالية التى لا يريدون الخروج منها لهدم الدولة، ولذا فالمصريون الذين خرجوا لإعلان إرادتهم فى يناير ويونيو سيخرجون لاستكمال مسيرة بناء الدولة وتحقيق الثورة، حتى لا نعطى الفرصة للصيد فى المياه العكرة، وحتى تظل مصر وطناً لكل المصريين.