كنت فى زيارة لبيروت، منذ أيام قليلة، لحضور احتفالية تكريم الثائرة والمناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، وبمشاركة رموز إعلامية وثقافية وسياسية من مختلف الدول العربية، وكان من بين المتقدمين للصفوف، كضيف رئيسى، الكاتب الصحفى الفلسطينى عبدالبارى عطوان رئيس تحرير صحيفة القدس العربى السابق.
وكانت كل الوفود يجمع إقامتهم فندق واحد، فى أحد ضواحى بيروت، وذات ليلة فوجئت بحلقة نقاشية فى «لوبى الفندق الشهير» يقودها الكاتب عبدالبارى عطوان، وبحضور صحفيين من تونس واليمن والجزائر، ويسرد الرجل ذكرياته مع زعماء الدول العربية، خاصة الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح، والرئيس الليبى الراحل معمر القذافى، والرئيس الفلسطينى ياسر عرفات.
وبينما أقف أمام استقبال الفندق، سمعت عبدالبارى عطوان يتحدث عن مصر، وهنا وبطريقة غير إرادية وجدت نفسى وسط الحلقة النقاشية، رغم أننى لست من المعجبين بكتابات ومواقف عبدالبارى عطوان نهائيا، وتحفظاتى كبيرة على تلوين قلمه إلى أكثر من لون حسب ما تقتضيه المصلحة.
وبدأ الرجل يشرح وجهة نظره للإخوة الإعلاميين والصحفيين من الدول العربية، عن خطيئة ما فعله الجيش المصرى بإزاحة الرئيس المعزول محمد مرسى من منصبه، وكان يجب على الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، ألا يؤيد من خرج فى 30 يونيو، ويعطى الفرصة كاملة ليستكمل مرسى مدته كاملة.
الرجل تحدث عن الجيش المصرى، بطريقة تنم عن كراهية دفينة، وكأن هذا الجيش لم يدفع ثمنا باهظا فى سبيل الدفاع عن القضية الفلسطينية، ثم أكد للحاضرين أن المؤسسة العسكرية المصرية، دولة داخل الدولة، وهنا لم أستطع أن أتمالك أعصابى، وسألته عن عدد من خرج فى 30 يونيو، والتى ملأت جميع ميادين مصر، فكيف للجيش الوطنى أن يقف أمام إرادة أكثر من 33 مليون مصرى؟
الرجل تغيرت تعبير وجهه عندما أيقن أننى مصرى، وأن لهجتى كشفت له عن جنسيتى دون أن أبادر بتعريف نفسى، وحاول أن يجمع شتات فكره من جديد، وقررت أن أستمر فى شرح دور الجيش المصرى وعلاقته المتفردة بكل أطياف الشعب المصرى، بشكل يمنحه التفرد عن سائر الجيوش فى العالم، وأن هذه العلاقة المتوحدة جوهر عملية الحفاظ على الأمن القومى المصرى بمفهومه الشامل.
الرجل أصابه الصمت والوجوم، فى ظل تأييد جميع الحاضرين لكلامى، مؤكدين أن المؤسسة العسكرية المصرية، هى العمود الفقرى الذى يرتكز عليه أمن واستقرار الدولة المصرية، بل إن الوفد التونسى أعرب عن إعجابه الشديد بالجيش المصرى، مؤكدا أن التوانسة خرجوا فى مظاهرات غاضبة وساخطة، خلال الأيام القليلة الماضية ضد الحكم الإخوانى، بعدد تجاوز ضعف ما خرج ضد الرئيس السابق على زين العابدين، ومع ذلك لم يستطيعوا إزاحتهم من الحكم، لأنهم ليس لديهم جيش قوى يساند ويدعم إرادة الشعب مثل مصر.
الكاتب الصحفى عبدالبارى عطوان، وطوال ما يقرب من أسبوع، كانت مواقفه تتغير ما بين الجلسة والأخرى حول الوضع فى الوطن العربى، فعندما يجلس مع قادة حزب الله يسارع بالدفاع عن الرئيس السورى بشار الأسد، وعندما يجلس مع أتباع سعد الحريرى من السنة يتبارى فى مهاجمة بشار، فلا عجب من أمثال هذا الرجل من تجار «الكلام» والمواقف، ولكن مصر ستظل شامخة، ويذهب مثل هؤلاء إلى مزبلة التاريخ.