فى مذكرات الدكتور كمال الجنزورى، رئيس وزراء مصر فى عهد مبارك، بعد ثورة 25 يناير، يبدو واضحا الحب الكبير الذى يحمله الجنزورى نحو المشير عبدالحليم أبوغزالة وزير الدفاع الذى عمل بجوار مبارك لفترة طويلة، انتهت بإقالة مبارك له فى حدث كبير تم وصفه من دوائر دولية وإعلامية بـ«انقلاب الرئيس على المشير»، ولم يحمل هذا التوصيف مبالغة، فـ«أبوغزالة» ظل الأقوى نفوذا فى نظام مبارك، وحين فوجئ المصريون والعالم بإقالته، اعتقدوا أن شيئا خطيرا يحدث فى مصر.
فى تناول الجنزورى لهذه القضية، وطبقا لما نشرته الزميلة «الشروق»، يذهب بك الفضول إلى معرفة المسكوت عنه فيها، فـ«الجنزورى» يتحدث عن جانب من كواليس ما دار بشأن أحداث الأمن المركزى التى وقعت يوم 25 فبراير عام 1986، وكان حدثا جللا، حيث وقع تمرد واسع فى هذا القطاع، وخرج الكثير من جنوده بالسلاح فى الأماكن القريبة من معسكراته، ووقعت عمليات تدمير وحرق فى بعض هذه المعسكرات، وكنت شاهدا على جانب من هذه الأحداث أثناء تأدية خدمتى العسكرية، وكان مكانها قريبا من أحد هذه المعسكرات.
فى لغة غامضة يتحدث الجنزورى، عن شيئين أظن أن فك لغزهما يقود إلى معرفة لماذا أقال مبارك المشير أبوغزالة، وهل كانت بالفعل نتيجة قلق أمريكى من طموح «المشير» بامتلاك الجيش المصرى سلاحا متقدما ومن أهمه الصواريخ؟
«الغامض الأول» يأتى فى قول الجنزورى إنه سأل «أبوغزالة»: «هل طلبت من الرئيس مبارك نزول الجيش؟» ويضيف الجنزورى من عنده: «المشير رغم أدبه الجم فإنه فى مثل هذه الحالات يتفوه بألفاظ شديدة مصدرها حرصه الدائم على مصلحة البلد»، و«الغامض» هنا هو تفوه «المشير» بألفاظ شديدة، فماذا يعنى ذلك، هل قام المشير أبوغزالة بشتم مبارك مثلا؟ وهل قال كلمات خارجة فى حق الرئيس؟
أطرح هذه الأسئلة لأننى سمعت من أحد الذين عملوا مع المشير أبوغزالة ويحبه حبا كبيرا، أن الرجل كان يستخدم «ألفاظا شديدة»، وأن هناك من قام بالتسجيل له، وقدم التسجيل لمبارك، وكان ذلك فى سياق الرغبة فى التخلص من الرجل بأى وسيلة.
أما «الغامض الثانى» فهو قول الجنزورى إنه انتهى أمر تمرد الأمن المركزى، واستقرت الأمور، وعاد الجيش إلى ثكناته، ولم يذكر هذا للمشير أبوغزالة عند صاحب الأمر هذا الوفاء وهذا الولاء للوطن وللرئيس، وأن الشعب عرف الجنود والضباط وقائدهم أبوغزالة، ولكن هذا لم يكن فى صالح «المشير» لدى صاحب الأمر «مبارك» فخطط لاستبعاده، ولكن الأمر طال عليه، إلا أنه نجح فى مخططه بعد ثلاثة أعوام.
هذا «الغامض» لا يفكه الجنزورى، بالرغم من أنه شاهد قوى على هذه المرحلة، هو لا يذكر وقائع نفهم منها أن العلاقة بين «الرئيس والمشير» شهدت هبوطا بعد عملية الأمن المركزى، وهل سجلت مثلا شعور مبارك بأن «أبوغزالة» يتمكن من مفاصل القوة التى قد تدفعه إلى الانقلاب على رئيسه، فأكله قبل أن يأكله؟ الخلاصة، أن مذكرات الجنزورى لم تضف لنا جديدا فى هذه القضية.