تخيل الصورة هكذا:
«صفوت حجازى، مفتى الإخوان عبدالرحمن عبدالبر، أبوإسحاق الحوينى، يوسف القرضاوى».
واحد من الأربعة السابقين وقف على منصة مؤتمر حاشد عقب الانتهاء من إعداد دستور 2012 واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم وأثنى وصلى على النبى الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، ثم انطلق يخطب فى الجماهير قائلا: «لقد جلس المصريون ليكتبوا أبدع دستور فى حياتهم، ولهذا نريد حشدا للدستور يبهر العالم شرقا وغربا، ويوقع الرعب فى قلوب خصومنا، علينا الاحتشاد والتصويت بنعم، وكل صاحب عمل عليه أن يخرج عماله للتصويت، وكل واحد وأسرته يذهب للتصويت، الدستور هو ما يعبر بالبلاد والعباد إلى بر الأمان، وكل واحد يذهب ويعلم أن الله يؤيده، لأنه يعمر الأرض، ولأنه ضد الفساد، وضد الإلحاد، وضد النفاق والشقاق، وسوء الأخلاق، وليعلم الجميع أن من سيخرج للتصويت بنعم على هذا الدستور الله يؤيده».
تنتهى كلمة الشيخ المناصر للإخوان ويعقبها موجة من التهليل والهتاف بدوام عزه وعلمه وفضله، وشجاعته فى أداء رسالته بدعم السلطة الجديدة، والحفاظ على دستورها وشرعيتها للخلاص من الخصوم المتربصين بهذه السلطة، وتمر الساعات والأيام وتمتلئ الشوارع والمواقع الإلكترونية والفضائيات بأجزاء من خطب الشيوخ المناصرة للدستور للتدليل على أهمية التصويت بنعم، ويتم استخدام صورة الشيوخ وكلماتهم على بوسترات يتم توزيعها على الغلابة لإقناعهم بالتصويت بنعم على الدستور الأعظم فى تاريخ البشرية، الذى سيرزق مصر بالاستقرار والتقدم.
واقع الصورة يقول هكذا:
وقف الشيخ على جمعة، المفتى السابق وأحد أكبر أنصار ثورة 30 يونيو، فوق منصة مؤتمر سياسى وانطلق يقول عن دستور 2013: لقد جلس المصريون ليكتبوا أبدع دستور فى حياتهم، نريد حشدا للدستور يبهر العالم شرقا وغربا، ويوقع الرعب فى قلوب الإرهابيين، علينا الاحتشاد والتصويت بنعم، وكل صاحب عمل عليه أن يخرج عماله للتصويت، وكل واحد وأسرته يذهب للتصويت بنعم على هذا الدستور الذى يعبر بالبلاد والعباد إلى بر الأمان، وكل واحد يذهب ويعلم أن الله يؤيده، لأنه يعمر الأرض، ولأنه ضد الفساد، وضد الإلحاد، وضد النفاق والشقاق، وسوء الأخلاق.. وافقوا على دستور «يؤيده الله».
أنهى الشيخ على جمعة كلمته وانطلق رموز الدولة المدنية فى مصر بالهتاف للدستور الجديد، وللشيخ على جمعة الذى يقول كلمة الحق ويدعو الناس باسم الله للاستفتاء على الدستور ودعم السلطة الجديدة بإنجاح الدستور الجديد عبر استغلال الدين.
رد الفعل على الصورة المتخيلة هكذا:
فى مدرجات المشاهدين يجلس رموز التيار المدنى والدعاة المستنيرون والمثقفون والنخبة المدنية الليبرالية متأففين متباكين، تصنع دموعهم أنهارا تفيض حزنا على الدولة المدنية التى ضاعت لأن الشيوخ وقفوا فوق منابر المؤتمرات السياسية واستغلوا الدين لتحريض الناس على التصويت بنعم فى الاستفتاء على الدستور، وتعلو صرخات أنقذوا مصر من فقهاء وشيوخ السلاطين، أنقذوا مصر من خلط الدين بالسياسة، إنهم يستغلون الشيوخ والدين لتحقيق مكاسب سياسية، وتخرج أقلام الكتاب من غمدها لتشرح وتطعن كل شيخ سلفى أو رجل دين إخوانى تكلم فى الدستور أو استخدم اسم الله أو اسم الإسلام فى الترويج للدستور، وتمتلئ صفحات الجرائد بالعديد من الموضوعات التى تشرح خطر علماء السلاطين على الدولة المدنية، وعن ولاية الفقيه، وعن تزوير إدارة الناخبين باستخدام اسم الله ونبيه، وتعلو الأصوات، وهى تطالب بمنع الحديث فى السياسة فوق المنابر أو داخل المؤتمرات السياسية أو الحزبية، ونقول إن القرضاوى أو حجازى أو الحوينى باع الدين وتاجر به من أجل تمرير الدستور.
رد الفعل على الصورة الواقعية هكذا:
نفس الرموز المدنية التى كات تخشى منذ عام على مدنية الدولة من كلمة شيخ سلفى أو إخوانى فى السياسة هى نفسها التى تهلل لكلمة على جمعة وتحتفى بها وتعتبرها دليلا تروج به للدستور الجديد، ونفس الأقلام التى كتبت عن استغلال الإخوان للدين فى السياسة هى نفسها التى أفردت مساحات كبيرة لكلام على جمعة بخصوص الدستور واستخدامه لفظة «مؤيد من الله» وكأن العمامة التى فوق رأس الرجل زيا تنكريا، وكأن ما حدث ليس استغلال الدين فى السياسة.
الحقيقة العارية هكذا:
ابتسم، أنت فى مصر يا عزيزى، حيث إنه من الطبيعى جدا أن تجد الناس التى كانت قبل عام من الآن تصف دستور 2012 بأنه أعظم دستور فى تاريخ البشرية ويهتفون «بالدستور العجلة تدور»، هى نفسها التى تسخر من الناس التى تقول الآن لابد من التصويت بنعم من أجل الاستقرار، ونخبة 30 يونيو التى كانت تسخر من قيادات الإخوان التى وصفت دستور 2012 بأنه الأعظم فى تاريخ البشرية هى نفسها التى تقول على دستور 2013 إنه الأفضل فى حياة المصريين.
المثير للغثيان أن كل دعاة الليبرالية والمدنية الذين ملأوا الأرض تحذيرا من استغلال الدين فى السياسة هم أنفسهم الذين ينظمون مؤتمرات لشيوخ يحرضون الناس على التصويت بنعم لأن الدستور مؤيد من الله، الغريب أن المثقفين والنخبة التى قالت على منال أبوالحسن وعزة الجرف إنهما تنتميان لفئة الجهلة والمشعوذين حينما قالتا مرسى ودستور الإخوان مؤيدان من الله، هم أنفسهم النخبة التى تضحك وتهلل وهى تسمع على جمعة يقول دستور 2013 مؤيد من الله.
أما المحزن أن ترى على جمعة والكثير من شيوخ مصر الذين طالموا تكلموا وحذروا من الاستغلال السلفى والإخوانى للدين وأرهقوا آذاننا بتكرار الحديث النبوى الذى أخرجه الحسن بن سفيان فى مسنده، والحاكم فى تاريخه، والرافعى فى تاريخه، عن أنس بن مالك، رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العلماء أمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان فإذا خالطوا السلطان فقد خانوا الرسل فاحذروهم، واعتزلوهم»، هم أنفسهم الذين سيكرهونك إن قرأت هذا الحديث على آذانهم الآن.