فى عام 1996 دعيت لحضور أول مهرجان للتسوق فى دبى، كانت تلك أول مرة أزور فيها هذه الإمارة، وأتيحت لى فرصة الجلوس مع محمد العبار وكان فى ذلك الوقت رئيس الدائرة الاقتصادية للإمارة، قبل أن يصبح رئيس «إعمار»، وقتها سمعت بعض الحقائق التى أكدت لى أننى أمام إمارة، ودولة تنطلق بسرعة الصاروخ، أولى هذه الحقائق أن الإمارة لم تصنع معجزتها على البترول ولكنها صنعت معجزتها بالبشر الذين يعدون فى أية نظريات هم العماد الحقيقى لأية تنمية.
وكان من نعم الله عليهم أن جاءهم الشيخ زايد، رحمه الله، رئيسا للدولة بث فيهم روح الاتحاد والتحدى، طرحت دبى نفسها كبديل لسنغافورة فى تجارة الخدمات وقدمت تسهيلات سحرية للمستثمرين، بجد «مش كده وكده زى مصر» فأصبحت قبلة لمن يريد أن يستثمر، ومن ينشد التسوّق والترفيه والربح، كانت هذه نتيجة تعليمات وفلسفة عمل «الوالد» الشيخ زايد كما وصفه العبار، وقال لى جملة لن أنساها «لا يقلل من شأنى أن يكون أغنى إنسان فى الإمارات من السيخ لأنى أنظر إلى الأمر بمنظور آخر، فهو يستثمر فى بلدى، ويقوم بتشغيل أبنائنا فى المصانع والشركات التى ينشئها، وهو لن يسرق الأرض إذا قرر الخروج، وهو بالتأكيد لن يجد بلدا آخر يقدم له خدمات، مثلنا». آخر التحديات التى تشبه المعجزة لمن يعرف هو فوز دبى بحق تنظيم إكسبو 2020، وهو ما يعنى ببساطة عوائد بالمليارات للدولة، وفرص عمل بلا حدود، وقفزة أكبر وأعمق نحو المستقبل. أعود إلى ما أريد أن أتحدث عنه وهو زايد، رحمه الله، هذا الزعيم الذى بث روح الاتحاد بالقول والفعل فى شركائه فى الاتحاد وفى كل مواطن إماراتى فصنع المعجزة التى لم تمت بموته، ولكنها انتقلت إلى من جاءوا بعده بل إنها انتقلت إلى رحاب أوسع.
مثل هذه المعجزة صنعها الإنسان المعجزة نيلسون مانديلا الذى مات بجسده، ولكن الإنسانية ستخلد تجربته، والتى كل مرحلة منها تستحق الدراسة واستخلاص العبر، من هذا النموذج الإنسانى المتفرد فى كل شىء، ولكن معجزته الحقيقية فى رأيى تكمن فى نجاحه بتسامحه مع سجانيه، ومع من ظلموه حبا فى بلده، لذلك لم يخرج موتورا يسعى إلى تصفية عرقية، بل إنه مد يده إلى من ظلموه ونظم ما يعرف بجلسات المصالحة. ما فعله مانديلا أنقذ بلاده من السقوط فى هوة العنف والخراب والاقتتال والتصفية العرقية، والدخول فى دوامة لا تنتهى من العنف والعنف المضاد
تجربة ثالثة صنعها شارل ديجول فى فرنسا، إليه يرجع الفضل فى استقلال فرنسا من استعمار الجيوش النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، وأصبح الأب الروحى للجمهورية الفرنسة الخامسة، وكان من الشجاعة أيضا أن أدار معركة خروج فرنسا من المستنقع الجزائرى، لذلك خلده الشعب الفرنسى بإطلاق اسمه على العديد من المرافق المهمة فى بلاده. مصر فى حاجة إلى أمثال هؤلاء العظام الذين يبثون روح البناء والهمة والعزيمة والتحدى فى شعوبهم.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد ساهر
عراة الإمارات