عندى أربعة أسباب للمطالبة بإجراء انتخابات الرئاسة أولاً، أى قبل الانتخابات البرلمانية، سأوجزها فيما يلي:
السبب الأول يتمثل فى كون المصريين عرفوا فكرة رأس السلطة، أو السلطة العليا أو الحاكم، منذ تأسيس الأسرة الفرعونية الأولى على يد مينا موحد القطرين (3200 سنة قبل الميلاد)، حيث ظل الشعب يتعامل مع الحاكم بوصفه روح الإله أو ابن الإله، وعليه تغلغلت فكرة أن يكون للدولة رأس واضح ومحدد فى روح ووجدان المصريين قرونًا عددا.
يتجلى السبب الثانى فى أن فطرتنا المصرية جعلتنا نتوجه إلى رأس السلطة، أو الحاكم عند أى منعطف فى حياتنا، فإذا كان رجلاً عادلاً رفعنا أيدينا بالدعاء له، طالبين من المولى أن يحفظه، أما إذا كان من الأشرار نال نصيبه من اللعنات والدعاء عليه، أو سخر منه الشعب إذا لم يكن على قدر مسئولية الحكم (تذكر من فضلك حجم السخرية والنكات التى كالها المصريون إلى حسنى مبارك طوال فترة حكمه البائسة وفى أثناء ثورة يناير 2011)!
حتى هذه اللحظة، ولنكن صرحاء، لم تترسخ فى مصر فضيلة العمل السياسى الحزبى، وهذا السبب الثالث الذى يدعونى للمطالبة بإجراء انتخابات الرئاسة أولاً، فالواقع يؤكد أن أحزابنا السياسية التى أنشئت قبل أو بعد ثورة يناير لم تستطع أن تلفت انتباه رجل الشارع العادى وتقنعه ببرامجها السياسية، فصارت الأحزاب مجرد مقرات وصحف، لا أكثر ولا أقل، وهى مأساة يتحمل وزرها كل من حكم مصر بعد 1952، الأمر الذى يؤكد أنه علينا بذل مجهود كبير حتى نقنع الناس بضرورة تنظيم أنفسهم فى أحزاب سياسية تعمل على كسب رجل الشارع وتعبر عن مصالح الطبقات الاجتماعية المختلفة.
يبقى السبب الرابع، ويتلخص فى أن انتخابات مجلس الشعب تشهد دومًا صراعات ومعارك تصل إلى حد استخدام الرصاص خاصة فى الريف والصعيد، الأمر الذى سيزيد من تفاقم الأوضاع فى مصر، إذا لم يكن هناك رئيس يملك سلطات تجعله يقلل من السلبيات المصاحبة للعملية الانتخابية، وإلا شهدنا مزيدًا من التكالب على مقعد البرلمان قد يؤدى إلى عواقب غير حميدة!
تبقى كلمة أخيرة خاصة بالاستفتاء على الدستور:
تزعم كثير من الصحف ووسائل الإعلام أن الإخوان سيعملون على إفساد الاستفتاء، وأنهم يعدون الخطط السرية للانقضاض على اللجان وتخويف الناس، وأنهم وأنهم.. الأمر الذى يصب فى مصلحة الجماعة لا فى صالح الشعب، لأننا بذلك سنزيد من هواجس المصريين فيتخذوا الأحوط ولا يذهبوا إلى مقرات اللجان، كما أن تصوير الإخوان بأنهم قادرون على فعل كيت وكيت وكيت، يجعل الشعب يراهم وحشًا أسطوريًا لا يمكن ولا ينبغى مواجهته، وهذا غير صحيح بالمرة، فجماعة الإخوان وأنصارها لا يمثلون سوى 4% من مجموع الشعب المصرى على الأغلب، كما أنهم بغبائهم التاريخى وتصرفاتهم المخبولة جعلت الناس تنصرف عنهم وتكرههم، وبالتالى ليت الإعلام يتعامل معهم بموضوعية فلا تهويل ولا تهوين.
لذا أعتقد أن وجود رئيس فى مصر بأقصى سرعة سيعمل على تماسك الدولة من ناحية، ويتعامل مع الإخوان وفق حجمهم الطبيعى من ناحية ثانية، وسيعطى الشعب دفعة قوية للعمل والبناء من ناحية ثالثة، شريطة أن يعمل هذا الرئيس على إقامة العدل الاجتماعى ويحفظ حرية الناس وكرامتهم.