فى رحلة بالطائرة، استغرقت نصف الساعة من مدينة مراكش المغربية، وعلى مدار يوم كامل قامت "اليوم السابع" بزيارة مدينة ورزازات، أو مدينة السينما، التى تقع فى الجنوب الغربى من مدينة مراكش المغربية، وتبعد حوالى 200 كم عن مدينة مراكش، وكلمة ورزازات تنقسم إلى كلمتين "ور"، وتعنى "بدون" و"زازات"، وتعنى "ضجيج" أى مدينة "بدون ضجيج"، أو "المدينة الهادئة".
وتعود شهرة مدينة "ورزازات" فى أنها تعتبر واحدة من أهم مدن السينما فى العالم حاليا، حيث تم فيها تصوير العديد من الأفلام السينمائية الأمريكية والعالمية، وهى أفلام لا تعد ولا تحصى، وخلال التجول فى طرقات هذه المدينة، فإنك على الفور تستحضر روح أهم الأفلام التاريخية، وأفلام الأساطير التى تم تصويرها حتى سكان المدينة المحيطين باستديو هات المدينة، هم يشبهون تماماً فى شكلهم وملابسهم الممثلين الذين يظهرون فى تلك الأفلام.
وفى أول مكان، قمنا بزيارته وهو "قصبة بن حدو"، والذى شهد تصوير العديد من الأفلام، كان أولها فيلم "لورانس العرب"، عرفنا أن هناك 8 عائلات كبيرة يسكنون هناك، وأن هذه العائلات تعيش أو تقتات على الأفلام التى تأتى، ويتم تصويرها هناك، حيث يقومون بخدمتهم ورعايتهم فى كل شىء من أكل وملبس وإقامة وكافة شىء، رغم أن المدينة بها فنادق خاصة بالسياح والزائرين.
وفى جولة أخرى، قمنا بزيارة ما يسمى باستديوهات ورزازات، والتى تعود اللبنات الأولى لها لعام 1983، حيث التأسيس الفعلى لاستديوهات "أطلس"، والتى تقع فى مدخل مدينة ورزازات فى عام 1993، على مساحة خمسة أفدنة وسرعان ما تم توسيع المشروع الذى يغطى اليوم 30 فدانا، وهو مفتوح على فضاء شاسع يشمل مناظر جبلية ساحرة، ويضم معامل للمهن السينمائية، من خياطة ونجارة وصباغة وماكياج وجبس ونقاشة ومؤثرات فنية، ومواقع للمتفجرات، وإسطبلات لمئات الخيول والجمال، ومكاتب لإدارة الإنتاج، وثلاثة استديوهات للتصوير "ما بين 750 متر مربع وثلاثة آلاف متر مربع"، إضافة إلى وحدة فندقية مصنفة أربع نجوم بكافة مرافقها الضرورية.
وتم تصوير عدد من الأفلام فى هذه الاستوديوهات، منها فيلم "جوهرة النيل" لمايكل دوغلاس، وما تزال طائرته التى استخدمها هناك تشكل جزءا من ديكورات المكان، كما تم تصوير فيلم "كوندون" للمخرج الأمريكى مارتن سكورسيزى، وهو ما اقتضى بناء قصر حاكم التيبت، الذى لا يزال قائما، كما تم تصوير فيلم "كليوباترا" للمخرج فرانك رودام، وبطولة تيموتى دالتون، الذى ترك سفينته هناك، وفيلم gladiator "المصارع" للمخرج ريدلى سكوت، وفيلم "أستريكس وأوبليكس" للمخرج الفرنسى آلان شابات.
وفى عرض حى ومصغر لأحد المعارك التى كانت فى فيلم kingdom of heaven أو مملكة الجنة، قام فريق العمل المغربى هناك من تنفيذ هذا المشهد من جديد، مستخدمين جميع التفاصيل من جياد وسيوف وحبال وجمال.. إلخ، فى عرض مبهر وخيالى كالذى نراه فى الأفلام.
بعد ذلك انتقلنا إلى ما يسمى cla decor Jerusalem ومن بعدها إلى متحف السينما، كما كان هناك العديد من الاستديوهات والأماكن الأخرى، التى لم يسعنا زيارتها، نظرا لضيق الوقت، كما أنها تحتاج لأكثر من يوم حتى يمكن التعرف عليها.
ورغم أن "ورزازات" هى مدينة مفتوحة تتميز بالطبيعة الربانية الخلابة، إلا أنها فى نفس الوقت تنقلب إلى ثكنة عسكرية عند تصوير أفلامها، فلا أحد يستطيع أن يبوح بشىء عن أى فيلم يتم تصويره، لأن ذلك مثل السر الحربى الذى يلتزم به أهل البلد.
وفى حديث "اليوم السابع" مع أحد المسئولين والمرشدين الذى كان يرافقنا هناك، قال إن السر فى إقبال المنتجين الأجانب على ورزازات يرجع إلى ثلاثة أسباب أساسية، أولها الديكورات الطبيعية المتنوعة والمتميزة التى تزخر بها المنطقة، وثانيها التشجيعات الإدارية والتسهيلات المالية التى تقدمها السلطات الرسمية، والتى تكمن من تخفيض تكلفة الإنتاج ما بين 30 و40 فى المائة، مقارنة مع تكاليف تصويره فى أوروبا أو الولايات المتحدة، وثالثها الخبرة التى توفرها المؤسسات المحلية المتخصصة فى تقديم الخدمات الإنتاجية المختلفة، والتى أصبحت تضم مهارات محنكة.
وتضم مدينة "ورزازات" العديد من البنايات القديمة التاريخية والعملاقة، بالإضافة إلى عدد من الاستديوهات الضخمة، فهناك استديوهات "كان زمان"، والتى تقع على مساحة 60 فدانا، وعلى بعد 10 كيلومترات من قلب مدينة ورزازات. وتضم هذه الاستديوهات مكاتب لإدارة الإنتاج ومعامل وقاعات للمونتاج ومخازن وقاعات لاستراحة الفنانين، إضافة لمعارض ومتاجر ومقاهى ومطاعم وملاعب ووحدة فندقية على النمط التقليدى، ومركز للتكوين السينمائى، ويشمل هذا المشروع أربعة استوديوهات وسط النخيل وأشجار اللوز والزيتون.
وأضاف أن هناك أيضا استوديوهات "أستر"، والتى تم إنشاؤها عام 1992 قبالة قصبة سيدى داوود التاريخية، فى موقع تصوير شريط "جوهرة النيل"، وقد احتضنت تصوير سلسلة "لو بيبل" (التوراة) التليفزيونية التى أنتجتها شركتا "أستر" الإيطالية، و"تى اين تى" الأمريكية.
وفى ختام حديثه، قال إن مدينة ورزازات وصفت على أنها أكبر استوديو طبيعى فى العالم، وقد استأثرت هذه المدينة المغربية على اهتمام منتجى أفلام السينما، وألمع النجوم العالميين، بفضل معمارها الطبيعى وطقسها الجميل وألوانها المميزة، نتيجة شمسها الساطعة طوال السنة، كما أن تصوير الأفلام الأجنبية هناك يدر أكثر من 200 مليون دولار سنويا، وقد ساعد ذلك فى تحقيق الرواج الاقتصادى والسياحى، وإحداث مناصب الشغل فى مختلف التخصصات الفنية والتقنية، وإن كان فى الآونة الأخيرة هناك تراجع بشكل كبير، حيث بات بعض الممثلين المحليين والكومبارس ينتظرون مجىء المخرجين، رغم أجورهم الزهيدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة