اللقاء مع المستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية يكشف الكثير عما يجرى فى الدولة، وشخصية الرئيس، وقدراته ومدى إدراكه للمسؤولية، وإدارة الحوار، والاستيعاب والتفهم.
لم يرد الرئيس أن ينفرد بقرار النظام الانتخابى، وترتيب خارطة الطريق، وفضل الاستماع لكل التيارات والفئات. وفى اللقاء الذى جمعنا وآخرين أول أمس، حرص على أن يستمع، وألا يبدى رأيا يفهم منه انحيازه لرأى ضد آخر.
الرئيس قليل الكلام، وعندما يتكلم فهو يشير لقضية مهمة. ويعترف أنه منذ تولى المسؤولية السياسية، لديه رؤية تختلف عن رؤيته كقاض، وأنه اكتشف أن الدولة غائبة «لم أكن أتصور أن فى مصر 12 مليونا من ذوى الاحتياجات الخاصة، وأن الدولة تتعامل معهم بتجاهل وأنهم غير موجودين، ولا تراعى حقوقهم أو احتياجاتهم. وعندما يتحدث البعض عن نواب الخدمات وتجاهل دور التشريع، يرد بأن الدولة لو قامت بدورها، سيكون هناك نواب».
الرئيس منصور مطلع ومتابع، ورغم علمه أنه سيترك المكان بل يؤكد ذلك، فهو يتصرف بكامل مسؤولياته، ويتفاعل مع القضايا. ويرى أن مصر فى حاجة إلى رئيس وبرلمان وسياسيين يعرفون قيمة مصر داخليا وخارجيا. وأثناء النقاش حول الرئاسة أولا أم البرلمان، حرص على التأكيد بألا يربط المتحدثون كلامهم بشخص معين، «خاصة أن هذا الشخص لم يحسم أمر ترشحه، وربما يفاجئنا بعدم الترشح» وكان يشير إلى الفريق أول السيسى، وهو ما فهمه البعض أن السيسى لن يترشح، ودفع البعض ليطالب عدلى منصور بالترشح فكان رده حاسما «مستحيل».
المستشار عدلى منصور نجح فى تفهم أمور كثيرة فى الدولة، يحرص على المتابعة ويتفاعل بسرعة، وفى اللقاء كان بعض المتحدثين يخرج عن موضوع اللقاء وكان الرئيس ينبه ويكشف عن أنه يعرف.
منصور وجه حديثه للأحزاب والسياسيين بأن يتوحدوا ويبتعدوا عن النظرة الضيقة أو الفرقة والتشتت التى أضاعت ثلاث سنوات. وحذر بشكل قاطع «لا أريد أن أقول إنها الفرصة الأخيرة لنبنى نظاما ديمقراطيا وأن نواجه المشكلات بشجاعة، واعلموا أن الجيش لا يمكن أن يكرر ما فعله فى 30 يونيو».
ولم تخل تعليقات الرئيس من خفة دم منها عندما قال الدكتور محمد أبو الغار إن من يطالبون بالنظام الفردى «دولة عميقة» فرد منصور مبتسما «أنا كمان دولة عميقة»، وقد أثار كلام أبو الغار الدكتور حازم عبدالعظيم الذى طالب أبو الغار بأن يحدد أسماء من يراهم «دولة عميقة» بدلا من الكلام العام.
الرئيس عدلى منصور زاهد فى سلطة يعرف خطرها، ويعرف قيمة مصر ومشكلاتها، وحاجتها لسياسيين يعرفون قيمة الوطن خارجيا وداخليا، وليس مجرد انتهازيين. وكرجل قانون وقضاء، يعرف الفرق بين الموقعين، عندما طرح فكرة تحصين البرلمان القادم من الحل، ووجد معارضة، تراجع، وأثناء نقاش مع المستشار الزند، قال له إذا نظرت القضية أمام الدستورية سأتنحى. ثم عقب «ولا أعرف بعد أن مارست السياسة هل يمكننى الجلوس مرة أخرى على منصة القضاء أم لا؟».
هو رجل يعرف عيوب ومشكلات النظام، ويعرف أهمية الدولة والقانون، والعدالة، وربما لهذا هو رجل مناسب لمرحلة انتقالية، وهو بحجم المنصب، وليس مجرد واجهة كما يصوره البعض.