السيرة الذاتية هى كتابة الشخص لتاريخه وقصة حياته بقلمه كما عرفها قاموس إكسفورد، وليس ضرورياًَ أن يلتقى هذا الشخص كل رؤساء العالم ويعاصر كل الأحداث، ويشارك فى كل المؤتمرات، لكى يعتبر نفسه جزءاً من التاريخ أو محركا له، والسير الجميلة الكثيرة التى قرأناها كانت مرآة لروح صاحبها وثقافته وإحساسه بالإيقاع وعلاقته بالموسيقى والشعر والرسم دون أن يكتب عنهم، والكاتب أو المفكر الذى يأخذنا إلى عوالم نجهلها، نكتشف معه مناطق فى ذواتنا، لأنه يبحث عن أصدقاء يحكى لهم ويرفع الكلفة بينه وبينهم، طه حسين فعل ذلك وأيضاً لويس عوض، ولطيفة الزيات، وشريف حتاتة وغيرهم، من الذين اعتبروا كتابة السيرة فرصة لتأمل التاريخ وليس الحكم عليه، عندما كتب ماركيز «عشت لأحكى» أخذنا إلى الحياة نفسها، وعرفنا أنه قابل كل أبطاله فى الطريق، نجيب محفوظ فى أصداء السيرة الذاتية قدم اقتراحا ملهما للبشرية، والسيرة جنس أدبى رهيف يقع بين مطرقة التاريخ وسندان الأدب، وسيكون غشيماً من يتصور أن سرد الأحداث التى كان طرفا فيها يكفى، رفعت السعيد مثلاً كتب مذكرات غيرت كثيراً من رأيى السلبى فيه، مؤخراً قرأت سيرة الدكتور سعد الدين إبراهيم التى صدرت فى جزئين عن ميريت، هى مليئة بالحكايات ولكن صاحبها لا توجد عنده حكاية، لأنه قرر أن يكتبها منذ البداية كما آلت إليه، خالية من الألفة متغطرسة، كتبها بالملابس الرسمية، لا يطلب ود القارئ، هو يكتب تاريخه كأنها التاريخ، يبالغ فى تقديره لنفسه وذكورته وحنكته وتسامحه، ويقلل من شأن خصومه، هو ضد التطبيع مثلاً فى الجزء الأول ويرشح للإسرائيليين ضيوفهم، وفى الجزء الثانى يصف الصحف التى تقف ضد التطبيع «الصحافة الراديكالية المضادة للسلام».