ناجح إبراهيم

أزمة الدساتير المصرية.. رؤية دعوية

الخميس، 05 ديسمبر 2013 06:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الدستور فى كل الأمم هو باب لتوحدها وتآزرها واجتماع شملها، لكنه فى مصرنا المضحكة المبكية يعد بابًا من أبواب الصراع السياسى، وسببًا من أسباب الاستقطاب السياسى الحاد، وكلما قام فصيل سياسى مصرى بكتابة الدستور أقصى الفصائل الأخرى.
لقد أصبح الدستور- ككل شىء فى مصر- مادة خصبة للاستقطاب والصراع السياسى، فإذا كتب الإسلاميون الدستور فى مصر وافق عليه كل الإسلاميين وحلفائهم حتى دون أن يدققوا فيه، أو يعرفوا ما فيه، وحشدوا له الجميع ليقولوا «نعم».. فالمهم الثقة فيمن كتبه.
أما أنصار القوى المدنية وحلفاؤهم وخصوم الإسلاميين فإنهم يرفضونه أيضًا دون أن يقرأوه، أو يدققوا فيه، أو يعرفوا عنه شيئًا، أو يفحصوا إيجابياته وسلبياته، وذلك لمجرد كراهيتهم وعدم ثقتهم فيمن كتبه، كما حدث مع دستور مصر سنة 2012.
إما إذا كتبت القوى المدنية الدستور، فإن الإسلاميين وحلفاءهم جميعًا يعقدون العزم على رفضه ومقاطعته قبل الشروع فى كتابته، أو دون أن يقرأوه، أو يدققوا فيه، أو يفحصوا إيجابياته وسلبياته، كراهية لمن كتبوه بصرف النظر عن المكتوب نفسه.
أما القوى المدنية وأنصارها وحلفاؤها فإنهم يؤيدونه ويدعمونه ويحشدون له بـ«نعم»، حتى دون أن يقرأوه، حشدًا لصفهم ونكاية فى خصومهم باعتباره معركة من المعارك الفاصلة بينهم وبين خصومهم.
الدساتير فى كل أمة يكتبها الممثلون عن الأمة والمختصون فى هذا الشأن للأمة كلها دون استثناء، إنهم يكتبونها للمنتصر والمهزوم سياسيًا.. للفقير والغنى.. للعامل والفلاح ورجل الأعمال.. يكتبونها للجميع بلا استثناء.
لكن فى مصرنا المضحكة المبكية يكتب الدستور دائمًا المنتصر سياسيًا ليكرس سلطته وانتصاره، ويدعم القوى والمؤسسات التى تتحالف معه دون سواها.. إنه يكتب الدستور لنفسه وأعوانه، مع أن الأصل أن المنتصر الذى يكتب الدستور عليه أن يراعى المهزوم سياسيًا لعله يكون مثله بعد حين، ويراعى الفقير قبل الغنى لعله يلحق بالفقراء بعد حين، ويراعى السجين قبل الحر لعل كاتبيه يدور بهم الزمان ويزورون السجون كما زارها من كتبوا الدساتير من قبل، ولا يعطى مؤسسة فوق حقها، ولا يهضم الآخرين حقهم، ولا يخضع لآخرين يريدون اكتساب ما لا يستحقونه لأنهم أقوياء، أو يهضم آخرين حقهم لأنهم ضعفاء وقت كتابة الدستور.
البعض هلل أثناء دستور سنة 2012 أن هذا الدستور سيحيى الإسلام فى مصر، والبعض الآن يبكى ويصرخ قائلاً إن دستور سنة 2013 سيضيع الإسلام ويمحوه من مصر، وسيلغى الهوية الإسلامية لمصر!
والحقيقة أن الإسلام كان قبل الدساتير، وسيكون بعدها، وسيبقى حتى دونها.. والإسلام أعظم من الدساتير وأكبر منها، ولن يحدد أى دستور حاضر الإسلام أو مستقبله فى مصر، أو بقاءه، أو حياته، أو موته، أو ازدهاره، أو انكماشه.
فالإسلام لا يوجده ولا ينشره دستور كُتب فيه اسمه، ولا يلغيه دستور لم يُكتب فيه اسمه وشريعته.. ولو كُتب عن الإسلام وشريعته فى كل مادة من مواد الدستور، ولم تتشرب النفوس والقلوب والضمائر هديه وتعاليمه وشريعته ما أغنت مواد الدستور شيئًا، وما نفعت الإسلام فى شىء، ولا أفادته قيد أُنملة.. فالإسلام ليس كسائر النظم الوضعية.
الإسلام جاء ليخاطب الضمائر والنفوس والقلوب فى المقام الأول، فإن استقر فيها استقر فى الكون كله، وقاد الدنيا بأسرها.. وإن لم يستقر فيها فلا قيمة لوجوده فى الدساتير أو القوانين، وهذا لا يقلل من قيمة وجود الإسلام كدين رسمى للدولة فى الدساتير والقوانين، وهذا لا يقلل من قيمة كتابة النص على أن الشريعة الإسلامية أو مبادئها هى المصدر الأساسى للتشريع.
ولكن وجود هذه النصوص لا تصنع الإسلام، وغيابها لن يضيع الإسلام، والإسلام يزدهر وينمو بوجود القدوة والدعوة التى تحمل رسالة السماء بحق وصدق، وتحسن نشرها بين الناس، وتحبب الخلق فى الحق سبحانه.
وفى الختام أغلب الدساتير المصرية قديمًا وحديثًا جيدة، ولكن لا قيمة لهذه الدساتير إلا إذا طبقت.. فمشكلة مصر والعالم الثالث ليست فى الدساتير والقوانين، لكن فى عدم تطبيق هذه الدساتير على أرض الواقع.
فالدستور كان يحرم ويجرم التعذيب فى عهد مبارك، لكنه ظل منهجًا متواصلاً طوال عهده رغم ذلك.
فالمهم حمل الحكام على تطبيق وتنفيذ الدساتير، قبل أن يشعل بعضنا النار فى بعض كلما صنع فريق من المتنافسين سياسيًا دستورًا لمصر.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة