يقول الشاعر والكاتب الروائى الأسكتلندى "روبرت لويس ستيڤنسون": "إن وجود هدف فى الحياة هو الثروة الوحيدة التى تستحق البحث عنها وأن نجدها". وقد ذكَرْنا أن الهدف فى حياة الإنسان يُعلى من قيمة الحياة ومعناها، ويكون دليلا فى الطريق فتنقشع ظلمته برؤية السائر هدفه وهو نُصب أعينه دائما، وهو الرفيق الذى يُشدد فى رحلة أيام العمر، والميزان الذى نُدرك ما أُنجز وما تبقّى.
وتختلف الأهداف من شخص لآخر، فاختَر منها ما يناسب شخصك وطموحك فيما تبغى الوصول إليه وتسعى لتحقيقه، ثم اعمل بجِد وأمانة لتحققه مهما كانت صعوبة الطريق ووعورته.
إن الإنجازات العظيمة تقف خلفها أهداف نسعى لإنزالها من سماء الأحلام إلى أرض الواقع، وذلك بإرادة صُلبة تضمن لنا الاستمرار فى الطريق، فالأهداف مثل الجبال يقف أمامها المسافر لكى يقرر: إما التراجع، وإما التحدى والصعود. والوصول إلى قمة أى جبل مستطاع ومتاح للجميع، ولكن لن يصل إلى القمة إلا من تكون له الإرادة، والرغبة فى الاستمرار نحو التقدم إليها.
جميعنا سمِعنا وقرأنا عن نماذج وصلت إلى القمة بمشقة عظيمة من أمثلتها، الكاتبة، الناشطة السياسية، المحاضرة الأمريكية "هيلين كيلر"، وإن كُنت أود اليوم أن أتحدث عن معلمتها "آن سوليڤان".. تلك المعلمة وضعت أمامها هدفا نبيلا فى أن تخرج الفتاة الصغيرة العمياء والصماء والبكماء "هيلين" من ظلمتها إلى إشراق قد لا تراه العين ولٰكنه يملأ الحياة. لم تكن "هيلين" لتستجيب لمعلمتها بيسر وسهولة، فبعد أن اختيرت المعلمة "آن سوليفان" التى كانت فى العشرين من عمرها، لتكون معلمة "هيلين"، بدأت علاقة طويلة بها من العمل والجَهد وصلت إلى تسع وأربعين عاما.
بدأت "آن" تعلّم الفتاة المدللة بطريقة جديدة بالتواصل وإياها، عن طريق كتابة الحروف فى كفها وملامسة الأشياء بكفها، وهكذا بدأت تتعلم وتُدرك ما حولها، وهكذا جاهدت واستمرت "آن" بكل صبر وإيمان وعزيمة، بل إن صبرها سرى إلى تلميذتها حتى صارت "هيلين كيلر" رمزا للعزيمة والإصرار فى العالم بأسره.
إن وصول الإنسان إلى هدف حياته يحتاج إلى إيمان عميق لا يهتز، فينبغى أن تكون مؤمنا بما تسعى له، قادرا على إدراكه مهما كانت انحناءات الطريق أو الظلال التى قد تحجب عنك الرؤية بعضا من الوقت، وأن تكون مستعدا للمسير وحدك نحو الهدف فى بعض الأوقات، واحتمال ما يُطلَق عليه "الفشل" متذكرا فى كل مرة تعبر فيها بخبرة فشل كلمات من ساروا الدرب قبلك: "ليس المشكلة فى أن تسقط، ولكنها فى عدم القيام والاستمرار فى المسير". وأيضا تذكر أولئك الذين جمعوا حجارة الفشل ليصنعوا منها سُلّما للنجاح يصعدون عليه إلى ما يسعَون نحوه.
ولنتذكر جميعا أنه كلما عظُم الهدف واتسع ليشمل الآخرين، عظُمت الإنجازات وحُفرت فى ذاكرة التاريخ.. فهناك من يقرر أن يحيا لذاته، وهناك من يسعى من أجل آخرين، والفارق بينهما كبير جدا. اختَر دائما الأهداف التى تبنى، والتى تساعد وتُنمى الآخرين، فإذا يوما نسِيتَها فلا بد أن تراها تُطل وتُشرق من عيون كل من هم حولك.. لذا دائما ما أردد تلك المقولة القريبة إلى نفسى: "إن ما نصنعه لأنفسنا يموت معنا، فى حين ما نصنعه للآخرين يظَل خالدا لا يموت".
وفى الحياة وعن الحياة سنُبحر معا و...
* الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى