وإذا حاصرت أهلَ حصنٍ، فأرادوك أن تجعل لهم ذمَّةَ اللهِ وذِمَّةَ نبيِّه فلا تجعلْ لهم ذمَّةَ اللهِ وذمَّةَ نبيِّه، ولكن اجعلْ لهم ذِمَّتَك وذمَّةَ أصحابِك فإنكم، أن تُخفِروا ذِمَمَكم وذِمَمَ أصحابِكم، أهونُ من أن تُخفِروا ذِمَّةَ اللهِ وذِمَّةَ رسولِه، هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصى أمراءه وقادته قبل أى غزوة، كما ثبت عند الإمام مسلم فى صحيحه، كلمات تحتاج إلى تدبر وتأمل، خصوصا فى زمان صار فلان أو علان يحسب أنه هو الدين وصار أناس يقبلون بلسان الحال أو المقال أن فلانا أو علانا فعلا هو الدين وينسى هؤلاء وأولئك أن منا منفرين وأننا من بنى آدم «الخطائين» نعم «الخطائين» كلهم، كما ثبت فى حديث آخر من أعظم وأجمع أحاديث الحبيب صلى الله عليه وسلم حديث، رغم أن أغلب المسلمين يحفظونه فإن هناك مشكلة حقيقية فى التعامل معه من جميع الأطراف للأسف الشديد، إنه حديث: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».
كلمات نبوية جامعة تلخص بتراكيبها البسيطة معنى فى غاية الخطورة، معنى يقطع بأنه لا أحد معصوم من الخطأ ما دام ينطبق عليه هذا الوصف: ابن آدم، صحيح هناك استثناءات فى حالة النبوة والرسالة لكنها استثناءات معدودة على مستوى البشرية، ومن ثم كان الحكم على الغالب وأطلق اللفظ وسبقته الكلمة الشاملة كلمة: «كل» الكل يخطىء ويصيب ويزل ويُسدد ويعصى ويطيع لذا كان الخطاب بالتوبة عاما مطلقا، وذلك فى قول الله جل وعلا: «وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون»، فالجميع بحاجة إلى التوبة وتصحيح الخطأ والندم عليه.
والأهم ألا ينسب الخطأ لمنهج الله وأن ينزه دينه عن زلات الأتباع، لذلك حرص النبى صلى الله عليه وسلم أيما حرص على ذلك التنزيه ويتجلى هذا الحرص فى ذلك الحديث الذى صدرت به المقال، خصوصا تلك الجملة القاطعة: «فإنكم أن تُخفِروا ذِمَمَكم وذِمَمَ أصحابِكم أهونُ من أن تُخفِروا ذِمَّةَ اللهِ وذِمَّةَ رسولِه»، لاحظ هنا حرصه على مقام ذمة الله وذمة رسوله، والذمة هنا هى العهد، وتخفروا بضم التاء أى تنكثوا أو تتراجعوا، تأمل كيف أوصى أمراءه غير المعصومين إذا عاهدوا أحدا وأرادوا أن يجعلوا لهذا العهد ضمانا وذمة ألا ينسبوها لله جل وعلا ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم ذلك لأنهم بشر «والبشر يخطئون» ولربما اضطروا أن يخفروا عهدهم لأى سبب، كأن يبدو لهم غدر المشركين أو يغلب على ظنهم خيانة منهم فيضطروا إلى عدم إمضاء العهد أو حتى يصدر من بعضهم خطأ أو زلل أو هوى فينقض العهد وحينئذ لا ينسب ذلك لله ولا لرسوله، وإنما للمخطئ أو المسىء منهم. هم وحدهم من يتحملون الخطأ إن حدث، لكن لا ينسب الأمر لربهم أو لدينهم أو لنبيهم صلى الله عليه وسلم، وفى هذا تفريق واضح يغفل عنه كثير ممن يظنون أنهم هم الدين أو يظن البعض أنهم كذلك وأن الدين بهم ولهم حتى إذا حدث الخلل أو الخطأ وجدت الناس للأسف ينسبونه للمنهج وربما يقع فى قلوبهم أن هذا هو الدين عياذا بالله، لكن انظر إلى حرص النبى على بقاء جناب الدين منزها وعلى رعاية قيمة ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم. يعنى باختصار وتبسيط علينا أن ندرك وأن نبين دائما أننا لسنا الدين وأنه لا أحد يمثل الدين أو يتحدث باسمه وأننا مجرد بشر نحاول أن نصيب وأحيانا نخطئ، فعلينا أن نرحم ديننا من أن تُنسب إليه زلاتنا وخطايانا التى لن تنقطع أبدا، ما دام قد انطبق علينا وصف «بنى آدم»، بنى آدم الذين هم - بخلاف من بيّن الله عصمته من النبيين والمرسلين - كلهم خطاؤون.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة