أولا: كتبت هنا عدة مرات عن ضرورة اتخاذ مواقف مركبة، لا تعرف الأبيض والأسود فقط أو الصح والغلط، وإنما تجمع بينهما لأن كثيرا من الأمور نسبية، وبالتالى لابد من الحكم عليها فى ضوء الصالح العام ومدى الالتزام بتحقيق أهداف انتفاضتى 25 يناير و30 يونيو فى الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
ثانيا: قرأت مسودة الدستور الجديد عدة مرات ووجدت به بعض المواد الغريبة، التى أختلف معها تماما، ومع ذلك سأضطر إلى الموافقة على الدستور ككل، لأنه ينطلق من رؤية ومسلمات للمجتمع وللحياة ولدور مصر أكثر تقدما واستنارة من دستور الإخوان ومن دستور 1971.
ثالثا: رفض بعض مواد الدستور لا يبرر رفضه بالكامل، لأنه صدر كمحصلة لتوازنات معقدة فى معسكر 30 يونيو، وكمحاولة للحفاظ على تماسك هذا المعسكر المهدد بالانهيار، وبالتالى حاول أن يرضى كل الأطراف من جيش وعمال وفلاحين وشباب ونساء ومعاقين لكنه لم يحقق المطالب الكاملة لكل طرف!! باختصار ليس فى الإمكان الآن أفضل من هذا الدستور الذى يتضمن سلبيات وإيجابيات كثيرة حيث نص ولأول مرة على ضرائب تصاعدية لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحديد نسب من الإنفاق الحكومى على الصحة والتعليم والبحث العلمى، للأسف ستطبق بعد عامين!!
رابعا: أخطر وأسوأ ما جاء فى الدستور أنه أحال الكثير من جوانب تطبيق الدستور للقانون الذى تتحكم فى إصداره أغلبية البرلمان التى قد تأتى من الفلول والقوى الرجعية، كما أبقى على المحاكمة العسكرية للمدنيين، ومنح الجيش سلطات واسعة فى اختيار وزير الدفاع وإعلان الحرب ومناقشة ميزانيته «توازن قوى»، ومع ذلك فإن كل هذه السلبيات قابلة للتعديل فى المستقبل من خلال النضال السلمى والضغط الشعبى على البرلمان لإصدار قوانين مفسرة للدستور منحازة للشعب وللثورة.
خامسا: الموافقة على هذا الدستور لا تعنى التوقف عن المطالبة بتفعيل المواد التى تحقق أهداف الثورة فى الحرية والعدالة الاجتماعية، أو التوقف عن النضال من أجل تغيير بعض المواد وتطويرها عبر وسائل النضال السلمى الديمقراطى ومن خلال ما نص عليه الدستور من آليات للتغيير، القصد لابد من الضغط الشعبى لضمان حسن تطبيق مواد الدستور ولنتذكر أن آفة الدساتير والقوانين فى مصر أنها لم تطبق أو طبقت بالطريقة الخاطئة.
سادسا: لابد من الموافقة على الدستور كصفقة شاملة والعمل من أجل تطوير أو تغيير بعض مواده بحيث نحدد ونطور المقصود بالتمثيل الملائم للعمال والفلاحين والمرأة والمعاقين، وما المقصود بالطعن فى الأعراض فى مواد حرية الرأى والإبداع، وكذلك حدود دور النيابة فى تحريك الدعاوى القضائية لوقف أو مصادرة الأعمال الفكرية والفنية، ولابد من الضغط لانتخاب المحافظين ورؤساء الوحدات الإدارية بدلا من تعيينهم.
سابعا: تأييد الدستور لا يعنى الموافقة على حملات دعائية مجهولة لا نعرف من يمولها لحث المواطنين على التصويت بـ«نعم»، لأن هذه الممارسات تسىء لحرية الرأى والتعبير ونزاهة الاستفتاء، أيضا فإن التصويت بـ«نعم» على الدستور لا يعنى الموافقة على قانون التظاهر الذى ثبت فشله حيث ينتهك كل يوم لأنه صدر فى غير زمانه ومكانه، أخيرا فإن التصويت بـ«نعم» للدستور لا يعنى التوقف عن انتقاد تطبيق بنود خارطة الطريق أو الأداء المتعثر للحكم الجديد، ولوزارة الببلاوى، فحق النقد مكفول للجميع بل إنه أحد أدوات التطبيق السليم لخارطة الطريق والحفاظ على تحالف 30 يونيو الذى بات على وشك الانهيار.