كنت أقول قبل الثورة إن الحالة الإسلامية تتجه بمزاجها العام نحو الاندماج فى المجتمع وتجاوز مسألة مفاصلته أو مواجهته أو خلق مجتمعات موازية عبر المفاصلة الشعورية أو العزلة الشعورية كما أثارها سيد قطب فى كتاباته، كان هناك نضج فى خطاب عموم الحركة الإسلامية، تجاوز فيها الإخوان منذ عام 2004 وما بعده ما أطلق عليه المناطق الرمادية فى خطابهم، وكتبت عن ملامح الوجه الجديد للحركة الإسلامية فى مصر بعد فوز الإخوان عام 2005 بثمانية وثمانين مقعداً فى البرلمان وقلت إن أحد ملامحها هو الانتقال من عالم التنظيم والدعوة إلى عالم السياسة وهو ما يفترض اهتمامها بالشأن العام للناس جميعاً فى مصر وليس فقط أعضاء تنظيماتها وذلك عبر برامج سياسية وليس عن طريق الكلام الفضفاض ذات الطابع الوعظى والدعوى.
وجاءت ثورة 25 يناير لتمنح الحالة الإسلامية فرصة تاريخية فى رفع الحظر عنها وكان هناك تهافت على التنوع كما أشرت فى ذلك الوقت، فكل مجموعة صغيرة تريد أن تؤسس لنفسها حزباً يعبر عن أفكار أشخاص دون أن يكون تعبيراً عن تيار أو طبقة أو قوى اجتماعية وسياسية موجودة فى الشارع، ونبهت وقتها لضرورة تعلم تقاليد إدارة التنوع داخل الحالة الإسلامية، ومعنى إدارة التنوع هو القبول به، وإطلاق رؤى وخرائط وأفكار لتوظيف هذا التنوع بحيث لا يكون خصماً من الحالة الإسلامية وإنما إثراء ً وفائدة لها، ولكن الطبيعة الشخصية وتغليب العوامل الذاتية جعلت الحالة الإسلامية ترشح أكثر من مرشح رئاسى، وتفشل جميع الجهود فى توحيد هؤلاء المرشحين، كما أن الانتخابات البرلمانية شهدت تنافساً إسلامياً فى الدوائر بين السلفيين والإخوان، وزايد الإسلاميون من الاتجاهات المختلفة على بعضهم فى أول جلسة برلمان، وانفتحت الدنيا على الإسلاميين دون أن يكون لديهم خطة مواجهة لها أو إدارة للتنوع فيها.
بيد إن أبرز أشكال الاستقطاب والتباعد كانت بين الدعوة السلفية والإخوان وهالنى أن يكتب قيادى إخوانى صديق لى على الفيس بوك ليقول إنه وقع على تقرير كتبه الإخوان فى عام 2012 يضعون فيه الدعوة السلفية كعدو مع الصهاينة والأمريكان، وأنه قد فزع لما رأى التقرير وتساءل بشأنه مع أعلى الدوائر فى الإخوان ولكنه بعدما حدث من حزب النور وتحالفه مع الانقلابيين قد تأكد من صحة تقديرات قياداته، وبعد عزل مرسى وإعلان حزب النور تأييده لخارطة الطريق التى طرحتها قوى 3 يوليو و30 يونيو الحاكمة اليوم فى البلاد فإن حملة شرسة من جانب التيار الإسلامى كله على الأقل الناشط على الفيس بوك تتجه لإدانة حزب النور والدعوة السلفية إلى حد الذهاب للتظاهر أمام منزل القيادى السلفى نادر بكار وشتمه ووصمه بأوصاف لا تليق.
هنا يحصل تحول هائل فى مزاج الحالة الإسلامية نحو رفض التنوع داخلها بأى حال من الأحوال، واعتبار ما يجرى فى مصر معركة فاصلة، الإسلاميون جميعاً فيها موقف واحد فى مواجهة الدولة والنظام السياسى، ومن يحاول طرح رؤية مختلفة فعليه الويل والثبور وعظائم الأمور، بيد أن الحملة على حزب النور والدعوة السلفية هى الأكبر والحملة على الشيخ ياسر برهامى هى الأفدح، وحديث عن مباهلات المشايخ، وتداخل أطراف كلها إسلامية فى مواجهة بعضها البعض بشراسة تعكس أننا فى أجواء فتنة مؤكدة، الحالة الإسلامية حتى داخل الفصيل الواحد ترفض التنوع، بل ويحتكر بعضهم صك الإسلامية فيقول: حزب النور لم يعد حزبا إسلاميا، الغريب أن مواقف الإخوان فى الجزائر كانت مع النظام السياسى فى محنة التسعينيات، ما أنجزته الحركة الإسلامية قبل الثورة مهدد بالضياع بسبب عجزها عن إدارة التنوع داخلها.