النظام الحاكم فى مصر لا يعترف بوجود أزمة.. ويتعامل على أن ما يجرى هو زوبعة فى فنجان
تمر مصر الآن بأزمة عميقة ناتجة بالأساس لمسار للثورة المصرية خاطئ من بدايته، ويبدو أيضا أنه كان المسار المقرر لإجهاض الثورة المصرية منذ المفاوضات التى تمت فى الدهاليز السرية بين النظام السابق وبعض القوى السياسية وكان من بينها الإخوان المسلمون، هذه المفاوضات التى استهدفت تبريد الأوضاع فى الميادين مقابل بعض المكاسب للقوى السياسية مع بقاء النظام السابق فى هياكله الأساسية، والوضع الحالى بعد عامين من الثوره يؤكد أن ما يتم فى مصر هو تحالف بين النظام الحالى والنظام السابق وأبرز الدلائل على هذه الدعوات المتكررة لرجال الأعمال المحسوبين على النظام السابق للتصالح بدفع بعض الأموال مقابل عودتهم للعمل فى مصر فى ذات المناخ الاقتصادى والقواعد القانونية التى هم من أرسى قواعده.
لكن يبدو أن النظام الحاكم فى مصر لا يعترف بوجود أزمة، ويتعامل على أن ما يجرى هو زوبعة فى فنجان ولا يتجاوز أن التظاهرات التى تتم ليست للثوار ولكن لبلطجية يحتاج فقط إلى قانون الطوارئ لمواجهته وحظر التجول فى المحافظات التى شهدت تظاهرات على نطاق واسع وصاحبها بعض أعمال العنف كتعبير عن غضب شديد.
والغريب فى الأمر أن تستخدم مثل هذه الإجراءات العنيفة والاستثنائية فى مواجهة التظاهرات السلمية فى أغلبها، بينما لم تستخدم هذه الإجراءات ضد جماعات مسلحة بأسلحة خطيرة وغير عادية فى سيناء، ويستهدفون الجنود والأكمنة الأمنية للشرطة والجيش وتقدر أعدادهم بالآلاف، وهو شكل من أشكال المعايير المزدوجة غير المبررة.
الحوار الوطنى مطلوب لإنقاذ الوضع فى مصر، الكل يتفق على ذلك لكن الاختلاف هو أى حوار، ومن يلتزم بنتائجه وتجربة الحكم فى الحوار غير مشجعة بدون ضمانات حقيقية تلزم كل الأطراف بنتائجه، فقد سبق أن أجرى الرئيس حوارا مع القوى السياسية قبل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وانتهت بإعلان فيرمونت نسبة إلى فندق فيرمونت الذى أعلن فيه الاتفاق، وبمجرد إعلان نتيجة الانتخابات تغير كل شىء وانسحب مساعدو الرئيس من غير الإخوان ثم أعلن الرئيس الحوار الوطنى من أجل الدستور، وانتهى دون تحقيق أى نتائج، والحوار الثالث الذى تم بمناسبة استكمال مجلس الشورى وتم الاتفاق على أن يتم تعيين الثلث الباقى من القوى المدنية، لأن الإخوان وحلفاءهم يسيطرون على الشورى ولأن المجلس يكون له صلاحيات البرلمان الذى يضع القوانين المكملة للدستور ولم يحترم هذا الاتفاق، إذن هل لدعوة الرئيس اليوم للحوار الوطنى أى مصداقية يثق فيها أعضاء جبهة الإنقاذ الوطنى.
لم يعد أمام الحكم فى مصر فى هذه اللحظات الأخيرة الآن أن يقدم ضمانات حقيقية للحوار الوطنى تؤكد التزامه بنتائج هذا الحوار الذى يعد وبحق الفرصة الأخيرة قبل أن تقوم الثورة الشاملة التى قد تكون أعنف بكثير من الثورة السابقة، ما زالت الثورة المصرية لم تحقق أهدافها فى الخبز والحرية والكرامة الإنسانية، ولم تتم ترجمة هذه الأهداف فى الدستور المصرى الذى جاء مخيبا للآمال، وينتقص من حقوق المصريين ويعزز دولة استبدادية يهيمن عليها تنظيم الإخوان المسلمين، بل إن التشريعات التى تعد الآن فى مجلس الشورى تكمل حلقة الاستيلاء على الدولة المصرية، وتقنين إقصاء القوى السياسية من مناطق السلطة والنفوذ، لاسيما وأن هناك عملية إحلال من هم تبع الحكم فى مختلف الوزارات، بل يمكن القول إن وزارة عريقة مثل الخارجية المصرية يجرى الآن تهميشها لصالح مساعد الرئيس للشؤون الخارجية، ويخشى الآن من استبدال القوى الرئيسية مثل الشرطة والقضاء واستبدال القيادات بمن هم يتبعون الإخوان فى ضوء عملية تمكين كاملة لتنظيم الإخوان من مفاصل الدولة المصرية.
لا يمكن قبول مثل هذه الإجراءات فى المرحلة الانتقالية التى يجب أن يتم فيها بناء هياكل الدولة المصرية ثم تتنافس كل القوى السياسية بشفافية وعبر انتخابات حرة نزيهة على تولى السلطة، دون أن تكون قد تم احتكار السلطة والثروة والنفوذ.
الخوف من استعادة نظام الحزب الوطنى باستبداله بالإخوان تخوف مشروع ولا يمكن قبوله، لذلك فإن الثورة من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية ستكمل خطواتها، وعلينا أن نختار أسلوبا سلميا من أجل تحقيق أهداف الثورة وإلا فإن العنف لن يبقى على أخضر أو يابس، فالحوار الوطنى بضمانات حقيقية هو الحل.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حاتم جمال علي
دعوة للتسامح