أقصد النخب الدينية السياسية والنخب المدنية أيضا.. دار ذلك بخاطرى بعد أن استمعت لخطاب الرئيس محمد مرسى مساء الأحد الماضى، وأشفقت على الرجل بعد أن تأكدت أن مصر (مؤسسة الرئاسة، الإخوان، جبهة الإنقاذ، الثوار) يتحركون فى عشوائية فى سياق ردود أفعال للحركة الشعبية، ودون أى جماعات تفكير أو دراسات وسيناريوهات ودون دراية لما تحدثه الثورات من قطيعة معرفية مع الماضى بما فى ذلك آليات وقواعد الاحتجاج التى تؤدى إلى أحداث الثورة ليست هى بالقطع التى تؤدى للتغير والبناء بعد حدوث الثورة.
سبق وكتبت عن تفكك الدولة وانتهاء العمر الافتراضى لعوامل الاندماج القومى وتوقفت أمام بعض المؤشرات التالية: بروز النزعات الانفصالية فى سيناء، منذ 29-07-2011 وحتى الآن قامت الجماعات التكفيرية الانفصالية بإعلان إمارة إسلامية فى سيناء ووجهت 91 عملية ضد كمائن القوات المسلحة والشرطة أدت إلى مقتل وجرح 211 ضحية، وبلغ الأمر مداه أن الرئيس مرسى لم يستطع أن يذهب إلى رفح أثناء زيارته إلى سيناء، وكذلك حينما أراد فريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع أن يلتقى زعماء القبائل فاكتفى بلقائهم فى القاهرة!! ناهيك من أن شبه الجزيرة صارت مرتعا لمثلث الشر (تجارالمخدرات والبشر والسلاح).و من سيناء إلى أقصى الجنوب، حيث أعلن أكثر من تنظيم نوبى رغبته فى الانفصال وأحد هذه المنظمات أعلن عن تبنيه للكفاح المسلح للمرة الأولى فى تاريخ النوبيين.
وفى المنتصف شهدت محافظات الصعيد 14 حربا صغيرة (فى نفس الفترة) أدت إلى سقوط 111 بين قتيل وجريح ووصل الأمر إلى أن قرية (إطسا) بمحافظة المنيا أعلنت عن تقسيمها إلى إطسا البلد وإطسا المحطة!! تحت إشراف الحكم المحلى والسياسيين.
ونتيجة غياب الرؤى لدى جماعات الإسلام السياسى انتقل فيروس التفكك من الدولة إلى الأمة، وتم تقسيم الجماعة الوطنية إلى مسلمين ومسيحيين، علمانيين ومؤمنين، نساء ورجال، شباب وشيوخ الخ، ولأول مرة يتحول المسلمون المصريون من أغلبية اجتماعية إلى مجموعة أقليات (إخوان، سلفيين، جهاديين، جماعة إسلامية، الخ). فى ذلك السياق ونتيجة موضوعية لإدراك شباب الثوار لحكم البلاد من قبل تنظيم غير شرعى بالمعنى القانونى (الإخوان المسلمين)، وكذلك استخدام هذا التنظيم لميليشيات عنيفة (كما حدث فى الاتحادية) كرد فعل لهذا كله ظهرت تنظيمات تتبنى العنف مثل (البلاك بلوك)، ناهيك عن تغلغل العنف فى الثقافة الشعبية (قطع الطرق والسكك الحديدية بمعدلات شبة يومية)، كذلك أدت السلوكيات العنيفة لمليشيات إسلامية مثل أولاد أبو إسماعيل (حصار المحكمة الدستورية، مدينة الإنتاج الإعلامى، الاعتداء على حزب الوفد، تهديد قسم شرطة الدقى) ودون أى ردع أو عقاب الأمر الذى أدى فى المقابل بقناعات شعبية بأن العنف من حلفاء الإخوان مشروع فى مواجهة المدنيين، كل ذلك أدى للمرة الأولى فى تاريخ المصريين من ثورة 1919 أن ينتقل الشعور بمرض الأقلية إلى مدن بأكملها (مدن القناة) وما حكم الألتراس إلا مفجر للمرض المزمن وهو تفكك الدولة وتفسخ الأمة، ويبقى السؤال هل إعلان الرئيس مرسى للطوارئ والحوار هما العلاج للمرض أم هى محاولة للاستقواء بجبهة الإنقاذ للتصدى للمد الشعبى؟ وهل قبول الجبهة للحوار هو انتحار أم أن التوافق ضرورة وطنية؟ وأخيرا هل تمتلك الحركة الثورية أفق وبدائل لجبهة الإنقاذ؟ والأهم هل تدرك النخب الدينية والمدنية والثورية هذه الرؤية؟ أم أنهم سوف يكررون الفشل؟