فى اليوم التالى للأحداث الدامية عقب الحكم على متهمى مذبحة بورسعيد طالعنا الكاتب الكبير سعيد الشحات بمقال بعنوان "فتش عن الرئيس" بدأه بمقدمة لافتة، ثم راح يرصد جملة الأجواء العامة عقب الحكم ممهورة بتعقيب شخصى له، وقد كان لى ملاحظات عليه رأيت أنه من الضرورى تدوينها:
بدايةً الكاتب أشار إلى "أن بعض التعليقات أصدرها بعض قادة جماعة الإخوان على الحكم بالقول: "إن القضاة لهم الجنة"، وذلك بعد أيام من هجوم الجماعة الكاسح ضد القضاة، ورفع شعارات "تطهير القضاء".
وليسمح لى كاتبنا أن أقول له: لا تنس أن أهم شعار الجماعة: "أننا نقول لمن أحسن أحسنت ولمن أساء أسئت، ولا نرى القضاء قد ارتكب جرما فى الحكم على قتلة، طال انتظار أهالى الشهداء له طويلا ليثلج قلوبهم وقلوبنا معهم.
ثم ذكر الشحات أن "ألتراس الأهلى ينصب الأفراح، وألتراس المصرى يعلن استقلال بورسعيد، والغريب أن البعض لا ينظر إلى الحكم بعين العدالة، وإنما حمدا وشكرا على سحب البساط من تحت ألتراس الأهلى فى تهديداته، وزاد هؤلاء فرحهم بضياع فرصة ثمينة على المعارضة، كما لو أن بورسعيد ليست مكانا فى مصر.
وهنا أسأل الكاتب الكبير أليس المعارضة هى دائما التى تدعى احترام القضاء فلماذا يستنكرونها الآن، قسما لو جاء الحكم غير ذلك لقالوا إنه حلقة جديدة من سلسلة صفقة بين القضاء والنظام لتبرئة قتلة الشهداء وإهدار حقوقهم، وما توقعك لو جاء الحكم على غير ما أراد أهالى الشهداء.
واستطرد الكاتب أن "البلاك بلوك" يظهرون بأقنعتهم السوداء فى ميدان التحرير وباقى المحافظات، يرفعون شعار: «دم بدم.. رصاص برصاص»، رأيتهم فى "التحرير" يطوفون الميدان بخطوات سريعة وفى صفوف دون النطق بكلمة واحدة، ولا يعرف أحد من هم وما طبيعتهم، وكيف تكوّنوا؟
ودعنى يا سيدى أقل لك إن أحد رموز المعارضة أشاد بما يؤديه هؤلاء، فها هو بهاء الدين شعبان يصف ما يقوم به ألتراس أهلاوى والبلاك بلوك برد الفعل الطبيعى، مبرراً للعنف بأنه نتيجة لتلاعب السلطة بقضية شهداء مجزرة بورسعيد.
وأضاف الكاتب أن الحديث عن حمل السلاح أصبح سهلا، والشاهد على ذلك ما قاله أحمد المغير عضو "اللجنة الإلكترونية للإخوان" على حسابه على موقع «الفيس بوك»: «بعد انهيار الدولة ما أظنش هيبقى فيه حجة شرعية لاستمرارنا على نهجنا الاستثنائى فى السلمية ونبذ السلاح".
ودعنى أزيدك أن هذا التصريح وإن كان عن عضو "لجنة إلكترونية للإخوان"، فهو لا يعدو كونه منسوبا لـ"الفيس بوك" كما أنه ليس من الإنصاف أن نغض الطرف عن تصريحات قيادات الجماعة والقوى الإسلامية التى تؤكد وتدعو دائما للسلمية إذا ما قورنت بالشعار الذى رفعه أحمد دومة: "دم بدم ورصاص برصاص، السلمية انتهت خلاص".
وكان أخطر ما جاء فى المقال أن المتظاهرين فى بعض المحافظات أول أمس يقتحمون دواوين المحافظات، وبعضهم يعلن استقلال محافظته، دعك من واقعية هذا الإعلان فالمحلة التى أعلنت استقلالها بعد الإعلان الدستورى مازالت تابعة لمصر، ولم تكوّن سفارات خارجية ولم تنتخب رئيسا ولا مجلس نواب ولم تختر حكومة لها.. أبحث فقط عن الدلالات السياسية والاجتماعية لدعوات الاستقلال، فهى تعنى ضياع هيبة الدولة.
وهنا عتابى على كاتبنا الكبير وعلى بعض وسائل الإعلام أن يسموهم أو يصفوهم بـ"متظاهرين" مع اقتران لفظ "يقتحمون" الذى يجعل التوصيف الحقيقى لهم "مخربون"، فلماذا - إذن- ندين العنف معهم ما داموا كذلك، وما دام فى ذلك استعادة الدولة هيبتها.
وتطرق المقال إلى أن الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء موجود فى "دافوس" ليطمئن العالم على ما يحدث فى مصر، ويطالب الأحزاب والقوى السياسية بتحمل مسؤوليتها الوطنية، أما الأحزاب فتطالب بإقالته وتشكيل حكومة إنقاذ وطنى.
وأقول إنه إذا كان واجبا على كل وطنى عاقل أن يبعث برسائل تطمين إلى العالم على بلاده، فمن الطبيعى أن يكون رئيس الوزراء ومن يمثل مصر فى "دافوس" بذلك أولى، فهو أمر لا يعاتب عليه ولا يدينه، بل على العكس يحسب له، نظرا لما يمثله ذلك من دور فى الاقتصاد.
ثم أفرد الكاتب مساحة من المقال للسويس جاء بها "شهداء وجرحى يتساقطون فى السويس، فى مشهد يذكرك بما حدث فى هذه المدنية مع اندلاع شرارة الثورة فى 25 يناير عام 2011.
وأقول له: الوضع جد مختلف تماما عما كان عليه فى 25 يناير 2011، وعما حدث فالشهداء الذين سقطوا فى 2011 كانوا سلميين خرجوا وصدورهم عارية يحملون أرواحهم على أكفهم فى مواجهة نظام غاشم، لكن من يموت وهو يهاجم منشأة عامة أو قسم شرطة ويهدد السلم العام أو الخاص فلا هو شهيد ولا هو متظاهر سلمى.
ثم اختتم المقال: "تذيع بعض القنوات الفضائية فى منتصف الليل أن الرئيس سيلقى كلمة، وأخيرا يكتب على تويتر يعزى شهداء مصر، وتفتش عن أهمية ما يقوله فلا تجد.
أما هذه فأوافقك عليها، فالرئيس من منطلق مسئوليته يجب أن يخرج للشعب لا أن يغرد لنا عبر تويتر مثل رجل المعارضة الشهير، وها هو قد خرج بعدها، وأتمنى أن يكون نال ما قال تقديركم.
جملة القول، إنه إذا فتشنا عن المعارضة فإنها لم تقر العنف فحسب، بل حرضت عليه وساهمت فيه، ووجدنا مقال الكاتب انصب على إبراز سلبيات فصيل بعينه دون الآخر.