تأتى الأخبار كل يوم عن قطع الطرق البرية والحديدية، ويكون السبب دائما هو احتجاج الناس على مقتل أحد أبنائهم، أو على إهمال مطالبهم، أو ظلم أحد الحكام. مضى عامان الآن، ولم نسمع أبدا من مسؤول عن المتسبب الحقيقى فى قطع الطرق، عن الذى قتل أو أهمل أو ظلم. دائما الفعل هو الخطأ، وليس من تسبب فيما جرى من فعل. وتطور اللوم إلى الحديث عن وقف حال البلد، وأن هذه المظاهر الاحتجاجية ليست من الثورة لكنها لخراب البلاد. لم يقل أحد أن من تسبب فى الغضب والاحتجاج هو من يخرب البلد، ورغم ذلك، وبعيدا عن كل هذا، ما رأيكم فى أنه حتى الطرق التى لا يوقفها أحد من الغاضبين مقطوعة منذ عامين، ولم يتحرك أحد من المحافظين، فما بالك بالوزراء، لفتحها. اختر أى شارع من شوارع مصر كلها، وقل لى فى أى مواقع يتواجد رجال المرور، وامشِ فى أى شارع، وقل لى ما معنى ركن السيارات فى صفين بلا مخالفة، وصف ثالث للميكروباص، ونصف الشارع للمقاهى والباعة الجائلين، ولا أحد من الأحياء أو المحافظة يتحرك، قبل انتخابات الرئاسة وبعدها. وإذا كان نظام حكم لا يستطيع أن يعيد الطرق إلى حالها قبل ثورة يناير على الأقل، ولا أقول أفضل، فلماذا يحتج على قطع الطرق. سيقول قائل إنه لا توجد قوات شرطة كافية، والرد هو أن قوات الشرطة كلها تقريبا مكرسة الآن للدفاع عن النظام الذى صار اسمه المنشآت. ووصل الأمر إلى الطرق السريعة أيضا التى هى الموت ذاته، ففى الطريق الصحراوى- على سبيل المثال- فى المسافة التى تسبق الوصول إلى الإسكندرية بخمسين كيلومترا لا تعرف طريقك، يدخل الناس على الطريق من كل ناحية، وتتحرك جميع المركبات، ملاكى وأجرة وعربات نقل وجرارات ومقطورات وتكاتك، فى الطريق المخالف، وتنقض عليك من كل جانب. ولكثرة الإصلاحات تأخذ هذه المسافة للمدينة فى ساعتين، وحين تعود تجد ذلك أيضا قبل أن تصل إلى بوابة الرسوم لدخول القاهرة، وبعدها تجد سوقا للملابس بين الطريقين، وعليهما، وبعد أن تعبر السوق تكون المسافة إلى ميدان الرماية هى الجحيم ذاته، فالسيارات تظهر من كل ناحية قادمة من الطريق الخطأ، بدرجة أقل من الخمسين كيلومترا السابقة على الإسكندرية، لكنها أيضا لعنة. وطوال الطريق الصحراوى لا تجد أى أثر للشرطة ولا الرادار، وإذا دخلت مدينة كالإسكندرية من ناحية الكيلو 21 فعليه العوض فى يومك، ستستغرق ثلاث ساعات لتصل إلى المنشية، لأنه على الجانبين مئات السيارات الكبيرة تنتظر التموين بالجاز أمام محطات البنزين.
والأمر نفسه فى القاهرة، وطبعا مدخل طريق الفيوم هو الجحيم بعينه، ولا تستطيع ولا أحد يستطيع أن يقول لأصحاب السيارات أن ينصرفوا لأنهم على حق، بعد أن اكتشفنا فجأة أنه لا جاز ولا بنزين فى مصر. ألاحظ هذه الظاهرة دائما، وأسأل نفسى: مَن حقًا يقطع الطرق فى مصر؟. إذا سافرت إلى الإسكندرية بالطريق الصحراوى خوفا من القطار فستقول ليتنى ركبت القطار، وقطع المحتجون الطريق، فعلى الأقل كنت سأظل جالسا وأنام، وهناك إمكانية أن أتمدد على الكرسى.
لا محافظ فى أى مدينة يفكر فى تنظيم الطرق، ولا وزارة الداخلية مهتمة إلا بأمن السيد الرئيس ونظام الرئيس، وتضيف إلى قتلى حوادث الطرق قتلى من المتظاهرين كل يوم، قتلى من الشباب والكبار والأطفال أيضا، تدخل بمصر عصر الاغتيالات بدم بارد. وتذيع الفضائيات أخبارا قطع الطرق بالاحتجاج، ولا تذيع أبدا قطع الطرق بالإهمال المتعمد. هل تعجز الداخلية التى تقتل المتظاهرين عن توقيع المخالفات على من يقطعون الطرق بشغلها بالسيارات والبضاعة؟، وهل تعجز المحافظة عن إنذارهم بالمخالفة المالية على الأقل ومضاعفتها فى كل مرة حتى ينتهوا؟.. ليس هذا من عمل الدولة الآن، الدولة انفتحت شهيتها على الدم، وصارت فى غنى عن أى أموال من مخالفات الطرق، ومن لم يمت فى مظاهرة تكفلت به الطرق السريعة، ناهيك عن القطارات التى تتكفل بذلك من زمان.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد محروس
المسؤل و السبب و النتيجة وكل حاجة هم الاخوان .. و المرحومة أمي
فوق