أيمن عبوشى

الإعلام العربى.. قفزة فى المجهول

السبت، 16 فبراير 2013 11:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من تابع الإعلام فى عامى 2009 و2010، لاحظ أنها فترة انحباس خبرى بامتياز، كان يلوك فيه المشهد نفسه فى عملية اجترار، جعلت المتابعة رتيبة لتربص وتوازن القوى الإقليمية، ومراوحة القضية الفلسطينية مكانها.

واليوم، نجد الشارع شديد الانفعال مع جملة التفاصيل الصغيرة، والمتغيرات المتسارعة.. بعد أن ألقت الفضائيات، المشاهد العربى فى خضم فوضى الصور، وعرضّته لجرعة مكثفة من المشاهدة المختلطة، أربكته، وأجهزت على قدرته على التحليل المبدئى.. وتدريجيا، أصبح أسير أهواء معلبة، تلقمه الآراء، وتحرك اتجاهاته نحو هذا الفصيل أو نقيضه.

تضعنا الآلة الإعلامية الضخمة فى زحمة الأخبار الميكروسكوبية، وتحيلنا إلى أجواء استفزازية، تحيّد العقل وتطلق العنان لمشاعر ساخطة على مآل الثورات العربية.

وبقدر الاكتفاء الذى يجنيه المتابع للحدث من إطلالة قياسية على تسارع الخبر، فى بيته، وعمله، وحتى فى جيبه بواسطة الأجهزة الذكية، فإن إشراك الفرد فى عمل مجهرى دقيق سوف يفضى إلى تعبئة اعتباطية تطال كل صغيرة وكبيرة فى المخاض السياسى، وسينتهى بالضرورة إلى ضبابية الأحكام واستباقيتها، وليس كما يرغب صانعو وسائل الإعلام ومن خلفهم أرباب السياسة فى توجيه الرأى نحو تقوقع مضاد.

من شأن هذا التراشق الخبرى المكثف أن يخلق حالة متأزمة إزاء القرار الشعبى الواسع بشأن الضيف الجديد: (الديمقراطية)، خاصة إذا ما تقاربت، القدرات الإعلامية بين الفرقاء، وذرائعهم المضادة.

بعد 2011 يوم جديد، وفى هذا المفصل التاريخى، نلاحظ اكتمال النصاب لفكرة الفوضى فى مفهومها الافتراضى لخلط الأوراق، وغياب الرؤية، ميلا لمبدأ الانحياز الأعمى، والتأجيج، ولعبة عض الأصابع.

وبعد سقوط أنظمة عديدة، صارت الساحة مهيأة لسباق رئاسى يحسم صراعا مؤقتا ومتواترا على السلطة فى دوامة بدأت ولن تنتهى، لكن عوز الإسلام السياسى، مثلا، لأذرع إعلامية خبيرة، وتمتع الجبهة الليبرالية المضادة بكوادر مخضرمة، دفع الإعلام إلى سُعار، يحد من التفوق العددى للأحزاب الدينية، التى وجدت أرضية خصبة فى القواعد الريفية البعيدة عن مركز الحدث، والأقل اتصالا بحركة الإعلام المتلاحقة، إلى اللحظة التى تُطوِّر فيها من أدواتها الإعلامية وتشحذها استعدادا لمواجهة فى العاصمة والمدن.

وكان الدخول الإعلامى المفرط على ساحة الصراع السياسى فى العالم العربى، أمرا متوقعا، وإن جانب دورة الحياة الطبيعية للتحول السياسى فى المنطقة.. لأن التوصيف الأدق يوجب أن تأخذ وسائل الإعلام فرصتها الفعلية فى ظل نظام ديمقراطى يكفل الحريات الأساسية، على عكس ما حدث.

فالأنظمة البائدة التى انتبهت مبكرا إلى دور الإعلام، جهدت فى ترسيخ نفسها عبر إفساح المجال لتنفيس الغضب الجماهيرى، ومواكبة لغة معاصرة، وتمكين وسائل الإعلام لديها بقدر معقول من حرية التعبير، بغية مواجهة التغول الفضائى الإقليمى.. وكانت النتيجة أن سقطت هذه الأنظمة، وحلت مكانها قوى سياسية جديدة، وجدت نفسها فى مواجهة إعلام داخلى متمرس ومتأهب، يمتلك أدوات المواجهة، فضلا عن فضائيات إقليمية تملك إمكانات وصلاحيات التغطية الجغرافية الواسعة.

والهدوء الذى سبق العاصفة فى عام 2010، كان فترة كساد إعلامى، وما تلاه شكل صدمة للجميع.. بيد أن اللافت أن اليقظة الإعلامية العربية التى بدأت منذ أواسط تسعينيات القرن الماضى، لم تسعفها خبرتها وقدرتها على الوصول إلى السبق الخبرى فى تخمين التحول التاريخى الذى شهدته الدول العربية.. مع أنها المؤسسات الإعلامية نفسها التى عمدت إلى دق الأسافين فى الأنظمة الديكتاتورية، التى انهارت تباعا، مثل أحجار الدومينو.

وإذا كانت هذه المؤسسات محنكة بما يكفى لتتسلح بكفاءات إعلامية، فكيف تكون غير قادرة على استشراف الغد، وكيف تُعطى الصلاحية، لخلق حالة من التغيير من دون أن تتلمس الخطوة التالية، وتمارس مسؤوليتها الأخلاقية نحو بناء وعى شعبى باحتمالات الخطر والأمان فى مستقبل التحولات فى المنطقة، والحيلولة دون القفز إلى المجهول..؟

لم تلتفت وسائل الإعلام الإقليمية إلى الحدث عندما اندلعت شرارة الانتفاضة فى سيدى بوزيد فى 18 ديسمبر 2010، حتى مع شهر كامل من القلاقل، سبقت السقوط المدوى لزين العابدين بن على، والذى كان حينها خبرا تونسيا داخليا، باستثناء اليوم المشهود لإعلان تنحى الرئيس، وتحول الحدث إلى باكورة ثورة قلبت العالم العربى رأسا على عقب، وتوالت موجة تسونامى غامرة، أحدثت حالة من الاندفاع الإعلامى، فصار من الصعب ـ فى سيلها الجارف ـ متابعة سير الأحداث فى بحر لجى يفتح الباب على كل الاحتمالات باستثناء الحقيقى منها.

* كاتب أردنى.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة