لا يوجد عاقل ووطنى فى مصر ضد الشرطة كجهاز يعمل لخدمة الشعب ولتطبيق القانون، وعندما انهارت فى 28 يناير عانى الجميع من مخاطر الانفلات الأمنى وانتشار الجريمة وظهور أنماط جديدة منها، وعرف الجميع قيمة وأهمية الشرطة وضرورة وجودها، لذلك بذلت جهود رسمية وشعبية لتصحيح صورة الشرطة ورجالها بعد ما لحق بها من تشويه نتيجة توريطها فى العمل السياسى وتحويلها إلى أداة لقمع الشعب والدفاع عن فساد واستبداد مبارك.
تطهير الشرطة وإعادة هيكلتها بعد الثورة كانت ضرورة ملحة، مرت بها كل الدول فى أعقاب ثورات شعبية، وفى مرحلة التحول الديمقراطى، لكننا سرنا فيها ببطء وتردد بسب المناخ السياسى المنقسم وغير المستقر، علاوة على جمود ثقافة العمل الشرطى وضعف الالتزام باحترام حقوق الإنسان، ثم توقفت مسيرة إصلاح وإعادة هيكلة الشرطة فى عصر الوزير الحالى الذى أعاد فى سرعة مبالغ فيها، وخطيرة، تقاليد دولة مبارك فى تغليب الأمنى على السياسى وقمع المتظاهرين بعنف ووحشية وتنفيذ أوامر ورغبات الرئيس وجماعته حتى وإن تعارضت مع القانون وحقوق الإنسان.. والأمثلة كثيرة، وأكبر دليل هو سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى من المدنيين ورجال الشرطة منذ يناير الماضى.
الوزير ينفذ رؤية ورغبة الرئيس وجماعته فى إعادة الدور القمعى للشرطة فى مواجهة الشعب والذى كان أحد أسباب ثورة يناير، والإساءة إلى دور ومكانة رجال الشرطة، ويعيد دون أن يدرى الوجه القديم القبيح للشرطة، بعد أن بدأ الناس فى نسيانه بعد الثورة، والأخطر أن الوزير يحمل الشرطة ما لا طاقة لها به، يحملها مسؤولية فشل الرئيس وجماعته فى إدارة الدولة وتحقيق أهداف الثورة وحل مشكلات الناس، وبالتالى يضع الشرطة من جديد فى مواجهة الغضب الجماهيرى المتصاعد، وهو وضع خطير قد ينذر بتكرار أحداث 28 يناير، خاصة فى حالة انفجار انتفاضات للجوعى والفقراء حول وداخل المدن الكبرى، وهو سيناريو متوقع فى ظل ارتفاع الأسعار وانتشار البطالة وغياب الأمل والإحباط الاجتماعى.
باختصار الوزير أعاد توريط الشرطة فى السياسة وغلّب أدوار ملاحقة المتظاهرين والنشطاء السياسيين على الدور الرئيسى للشرطة فى مكافحة الجريمة، الأمر الذى قد يفسر استمرار ارتفاع معدلات الجريمة، وعودة جرائم قطع الطرق والسطو المسلح فى الثلاثة الشهور الأخيرة، أى أن عودة الفوضى الأمنية هو النتيجة الطبيعية لتوريط الشرطة فى السياسة إضافة طبعا إلى الأداء المتباطئ لبعض رجال الشرطة نتيجة عدم رضاهم عن مخطط أخونة الدولة وأداء الوزير.
أزمة مصر يا سيادة الوزير ليست فى المظاهرات أو أحداث العنف لأنها نتاج طبيعى، ورد فعل غاضب لانفراد وهيمنة الرئيس وجماعته ورفضهما التنازل عن مشروع التمكين الإخوانى والتوصل إلى توافق مع جبهة الإنقاذ، وبالتالى الحل ليس فى الأمن أو برفع مستوى الأداء الشرطى والحزم فيه، وإنما الحل فى السياسة ومن خلال حزمة قرارات فى مقدمتها إقالة وزارة قنديل وتشكيل وزارة إنقاذ وطنى يجب أن لا تكون من بين أعضائها!! لأنها وزارة سياسية، تتطلب وزراء لديهم كفاءة مهنية وخبرة وخيال سياسى ورؤية، واحترام لحقوق الإنسان.