وسط حالة اقتصادية متردية وفوضى أمنية أكثر تردياً، قد يكون من العبث أن أسأل من الذى غطى وجه أم كلثوم فى المنصورة وأخفى تمثال طه حسين فى المنيا؟، وهل الذى فعل هذا الجرم الشنيع ينتمى للمتطرفين المتأسلمين أوالمتأسلفين، أم أن هذا الفعل جزء من حالة اللا دولة، واللا قانون، واللانظام، واللاأخلاق؟، نعم قد يبدو هذا الأمر فردياً محضاً، وقد يكون مرتكبه تربى على فكر تكفيرى يرى فى طه حسين وأم كلثوم رمزين من رموز الكفار والفاسقين، ويرى فى إقصائهما وهما موتى بجسديهما راحة لقلبه وضميره.. مع يقينى أن ضميره وقلبه قد ماتا تماماً فضلاً عن وجدانه ومشاعره، الذى فعل ما فعل، لم يقرأ طه حسين، ولم يعرف أنه كان صاحب صيحة التعليم كالماء والهواء، ولو أن وزير التعليم الحالى الإخوانى إبراهيم غنيم، قرأ كتاب طه حسين «فى الثقافة العربية»، لوجد فيه مانفستو أو منهاجا شاملا لما يجب أن يكون عليه التعليم فى مصر، لكن الوزير لم يقرأ، ولن يقرأ، ولم يقدم لنا أى إشارة بأنه يفهم مشكلة التعليم فى مصر، وهى مشكلة المشاكل، ودليلى أنه فى سبات عميق، أنه سكت على حذف سيرة وصورة سميرة موسى من كتاب الدراسات، وكان مبررا لبعض دهاقنة وزارته، لأنها غير محجبة، وهم وهو لا يعلمون أنها أول من ترجمت القرآن الكريم للفرنسية والألمانية، ووسط هذا المناخ الكاره للعلم والتعليم، وقيم الثقافة والابداع والفنون، فلا تستغرب أن يقوم أحدهم بتغطية تمثال أم كلثوم التى وحدت الأمة العربية على صوتها، والتى غنت القصيدة العربية كأفضل ما يكون، فنشرت لغة الضاد، ووحدت اللهجات، وكانت حفلاتها كل خميس من أول كل شهر قبلة الآذان والقلوب من المحيط للخليج، أم كلثوم التى صدت بقصيدة «ولد الهدى» فأبكت المآقى وحركت شغاف القلوب على سيرة سيد الخلق أجمعين، الحادثان فى أيام متقاربة، يؤكدان أننا أمام هجمة شرسة من جرذان العصر ضد حضارة أمة، الآن مصر بين خندقين.. خندق طلاب الجاهلية والإمارة.. وطلاب الدولة المدنية والحضارة، والمؤكد أن الجولة ستنتهى لصالح الخندق الأخير، لأن التاريخ لا يعود للخلف.. هذه هى الحقيقة الوجودية الكبرى.. وصبر جميل.