بدأت فى اليومين الماضيين الحديث عن الكتاب المهم «الخروج من بوابات الجحيم - الجماعة الإسلامية فى مصر من العنف إلى المراجعات» للباحث ماهر فرغلى، والذى قضى 13 عامًا فى السجن بسبب انتمائه للجماعة، وأستكمل.
تقرأ فى الكتاب عشرات القصص عن عمليات القتل المتبادلة بين الجماعة الإسلامية ورجال الأمن، وتصميم الجماعة على فرض هيمنتها ووجودها، عبر مبدأ تغيير المنكر باليد، وتشعر فى ذلك بأننا كنا أمام بلاد أخرى، ويقول ماهر فرغلى عن عمليات سفك الدماء: «لقد أزهقت دماء حرام كثيرة فى ملوى وغير ملوى، وكان المسلحون يأخذهم زهو السلاح فلا يفكرون فى حرمة الدم نظرا لاقتناعهم بمسألة قتال الطائفة التى تحتاج إلى تدقيق كبير، وكلما قاموا بعملية قتل وما شابه أخذوا يكبرون، وكأنهم قتلوا أبا جهل أو أمية بن خلف».
يلقى «الكتاب» نظرة سريعة على عمليات التجنيد للانضمام للجماعة، ويقول عنها،إنها كانت تتم بصورة عشوائية وليس بصورة فئوية تهتم بفئات معينة، وهذه الطريقة العشوائية كان من نتاجها أفراد أقل ما يقال بشأنهم إنهم يتميزون بالجهل الشديد، وكان هذا عاملا أساسيا فى تقديس القادة الذين كانوا بمثابة المبصرين بين العميان، ويعطى ماهر أدلة على مسألة تقديس القادة من بينها مثلا، أنه حينما كانت تتعارض فتاوى بعض العلماء مع أحد المشايخ، كان يتم الأخذ بكلام المشايخ، وإذا أراد أحد الأفراد أن يقنع زميله برأى يكفيه أن يقول له: «سمعت أو رأيت أحد المشايخ يفعل ذلك»، وفى السجن يتم تصبير الناس بأن ناجح إبراهيم وهو فى ليمان طرة، يجهز شنطة هدومه، ويضعها خلف باب الزنزانة لأنه يعتقد أن الإفراج يأتى فجأة، ويذكر «فرغلى» مثلا شخصيا على هذه المسألة بقوله: «أذكر أننى كنت أضع دبلة من الفضة فى يدى فاعترض على أحدهم، ولما قلت له إن أحد المشايخ يضع دبلة فى إصبعه سكت».
«تقديس القادة» أدى حسب وجهة نظر «فرغلى» إلى طرح مفهوم جديد فى الحركات الإسلامية وهو: «مصلحة قادة الجماعة تتقدم على مصلحة الجماعة»، وهذا ما دفع الأفراد إلى تقديم أرواحهم فداء لمشايخهم، وكان هذا سببا رئيسيا فى أحداث العنف، حيث حدث الدفاع عن قادة الجماعة أمام اعتقالات الحكومة واغتيالاتها، كما حدث مع اغتيال علاء محيى الدين المتحدث الرسمى باسم الجماعة عام 1990، إلى أحداث العنف التى تواصلت حتى مبادرة وقف العنف التى أنهت هذه المسائل.
«تقديس القادة» لم يكن لعقيدة أو خلافه، وإنما كان لأفراد، ونتج عنه تقديم أهل الثقة على أهل الخبرة، وحسب «فرغلى» فإنه لم ير صراعا أو مشكلة بين أفراد الجماعة، إلا كان الصراع هو أحد أهم أسبابها، رغم أن الإمارة ليست قيمة محورية بل هى أمانة ومسؤولية أمام الله أولا ثم أمام المجتمع
ينتهى فرغلى فى رصده لمسألة «تقديس القادة» إلى تأمل عميق وهو بين جدران السجن يقول فيه: تظل هذه الوجوه التى تجىء وتروح ترسم ما كان مغمورا فى قلبى أننا كنا منساقين فترة طويلة من عمرنا، وأننا لن نخرج من ذلك إلا بالحرية من السجون، أنا سمعت صوتا بجوارى يقول: «كل دول أمراء وقادة، صدق المثل الذى يقول قيراط أرض وفدان عمد».
.. يتبع.