المفاجأة بما لايفاجىء إما أنها عبط أو استهبال، أو نوع من «القرطسة السياسية» والرغبة فى تقنين البطلان. نتحدث عن مشروع قانون انتخابات مجلس النواب، الذى صدر حكم من المحكمة الدستورية العليا ببطلانه من عدة جهات، أبرزها تقسيم الدوائر الظالم، وطريقة ترشح الفردى والقائمة، والصفات العامل والفلاح وغيرها. حيثيات المحكمة تكشف عن أن السادة الترزية الكبار فى مجلس الشورى، فاشلون حتى فى التفصيل، وبدلا من أن يخجلوا، فإذا ببعضهم يدافع عن البطلان، ويهاجم المحكمة، ويتهمها بالتسييس. متجاهلين مبدأ الفصل بين السلطات، واحترام أحكام القضاء.
لم يكن حكم الدستورية ببطلان مشروع الشورى لانتخابات النواب مفاجأة لأحد، كان القاصى والدانى يعلمون أنه مهلهل وفاقد لأبسط قواعد التشريع، وجاء حكم الدستورية كاشفا وليس منشئا. لكن هذا الحكم لم يأت على هوى السادة الترزية، من أعداء الفصل بين السلطات، وخصوم المحكمة الدستورية. الذين تركوا فشلهم وتفرغوا لمهاجمة المحكمة، وهو جزء من عادة أصبحت قاعدة. وحتى هؤلاء الذين قبلوا الحكم، فعلوا هذا بهدف تجرع السم وليس من باب احترام القانون.
ومن الشائع والمعروف بالضرورة أن مجلس الشورى مولود مشوه لدستور نص الليل، وهو منتخب بـ%7 فقط وثلثه من المعينين، وتم منحه سلطة التشريع. لكنه تصور أنها سلطة لتفصيل القوانين بلا معقب، وبسبب نقص الكفاءة القانونية والسياسية للترزية جاء مشروع قانون النواب خاليا من القانون والتشريع، فاقدا لأبسط عناصر المساواة وتكافؤ الفرص. وهو أمر لم يكن مجهولا ولا يحتاج إلى محكمة دستورية، بل ربما كان يحتاج إلى محكمة الجنح. وبالرغم من العلم بهذه العيوب، أصر المجلس على فعل القانون فى الطريق العام.
مجلس الشورى عين نفسه سلطة قضائية، وخرج بعض نوابه المعينين، وبدلا من أن يحاسبوا أنفسهم فتحوا النار على المحكمة الدستورية، ووصفوا قرارها بأنه مسيس، استمرارا لنهج يعادى القضاء والمحكمة، التى كشفت ضعفهم وقلة خبرتهم وفشلهم، حتى فى أن يكونوا ترزية. رأينا بعض من يحملون لقب «عضو»، يطالبون برفض تنفيذ الحكم أو الالتفاف حوله، متصورين أنهم فوق القانون، وأن من حقهم قرطسة القوانين كما يحبون.. وتلبست روح الحزب الوطنى الأعضاء أمثال بطيخ وجبريل، وتفرغوا لمهاجمة المحكمة، وقالوا إن أحكامها غير ملزمة، وأن المحكمة تزيدت، وأن مجلس شعبهم تم حله بنفس الطريقة. وقال «العضو» أسامة فكرى، إن أحكام الدستورية ملزمة فقط فى الأحكام وليس الحيثيات، وقال «العضو» جبريل، إن «المحكمة ليست مشرعا»، ولم نعرف من أخبر العضو أن المحكمة تشرع، هى تحكم وأحكامها نافذة، و ملزمة، ثم إن العضو يقسم أنه يعرف بعض أجزاء قرار المحكمة منذ أسبوعين أو ثلاثة، وهو لايحتاج للقسم، لأن البطلان معروف من البداية. وقال «العضو» بطيخ إن المحكمة تجاوزت الدستور.
والحقيقة أن السادة «المفصلاتية»، لايبدو أنهم يعرفون الفصل بين السلطات، ويعتقدون أنفسهم فوق كل قانون، وبعد أن «قرطسوا» مشروع القانون المثقوب أرادوا تمريره بالعافية، بشكل يتجاوز ماكان يفعله الحزب الوطنى المحلول.