اليوم تقف الثورة المصرية على مفرق فاصل من المفارق التى خاضتها، فهى تحاول النضال من أجل النموذج الذى بشرت به وحلم به شبابها والمصريون جميعا معهم، وهذا النموذج مصرى يقول «ارفع رأسك فوق أنت مصرى»، فالمصرية الجامعة التى لا تهمل الهوية الإسلامية للأغلبية هى الأرضية التى انطلق منها المصريون جميعا لإسقاط الطاغوت والذين معه. وهو نموذج مدنى خرج فيه ملايين المصريين ليطالبوا بحكم مدنى يحفظ للجيش مهنيته وكرامته بالبعد عن العمل السياسى، وفى نفس الوقت أن يكون جزءاً من مؤسسات الدولة المصرية وليس متعاليا عليها أو يمتلك وضعا استثنائيا، وصحيح أن الجيش المصرى وقف مع ثورة شعبه، ولكن مخايلة العودة للسياسة ستجعله يقف فى مواجهة النموذج الذى أراده المصريون حين قاموا بالثورة، وقد بلغت بهم الروح الحلقوم من حكم المنتمين للمؤسسة العسكرية.
وهو نموذج ينتصر للإنسان أى إنسان ينتمى لهذا الوطن، ومن ثم فإنه يستلهم المساواة بين المصريين جميعا بلا تمييز، ومن ثم فالكرامة الإنسانية هى جوهر هذا النموذج. وهو نموذج ينحاز للعدالة الاجتماعية وحقوق الفقراء والمهمشين فى هذا البلد، من خلال إصدار قوانين تحمى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفقراء مثل الحق فى المأكل والمشرب والملبس والعيش الكريم. وهو نموذج يقوم على الشفافية وحق الناس فى المعرفة، كما يحترم حق الناس فى التعبير وحرية الصحافة وتداول المعلومات، وأن تكون وسائل الإعلام مستقلة فى خدمة المجتمع والناس لا خدمة الحاكم والسلطان. وهو نموذج يقوم على أن جوهر العلاقة بين الشعب والحاكم هى علاقة عقدية، ومن ثم فإن للشعب حق مراقبة الحاكم ومحاسبته، بل للشعب الحق فى أن يقيم أداء الحاكم والحكومة ومؤسسات الدولة، وأن يسحب ثقته منها إذا لم تظل ملتزمة بالعقد الذى على أساسه تأسست تلك العلاقة. وهو نموذج يقوم على نموذج أن السلطة مغرم وليست مغنما، وحساسية المسؤول السياسية تجاه ما التزم به أمام شعبه، بحيث لو لم ينفذ برنامجه الذى أعلنه يوم توليه السلطة فعليه أن يعلن انسحابه من السلطة، كما حدث فى تونس حين انسحب رئيس حكومتها واستقال لشعوره بالعجز عن تحقيق برنامجه الذى التزم به أمام الشعب. هذه هى الخطوط العريضة للنموذج الذى قامت الثورة تحمل أفكاره وتسعى لتحقيقه، ويوم أن كان المصريون فى ميدان التحرير يبهرون العالم فى الأيام الأولى للثورة، كان الجميع فى العالم يتحدث عن النموذج الذى تمثله الثورة المصرية.
اليوم هناك نموذج مأزوم يحكم تمثله جماعة الإخوان المسلمين وسبب أزمته عدم قدرة الرئيس على أن يتخلص من العبء التاريخى والنفسى الذى تمثله جماعته عليه بحيث يصبح رئيسا لكل المصريين، وأن يعلن بصراحة ذلك بما فى ذلك قطع انتمائه مع حزب الحرية والعدالة.
هناك نموذج آخر نتحدث عنه هو النموذج التركى، وهذا النموذج حل المشكلة الاقتصادية لتركيا وهو ما أعطاه شرعيته وسمعته، بيد أن روابطه بالمنظومة العالمية لاتزال محل تساؤل وهو ما نطلق عليه فى تاريخنا المصرى الاستقلال السياسى والتحرر من التبعية.
هناك النموذج الإيرانى وهو نموذج يعبر عن مذهب ولاية الفقيه الذى يعبر عن المذهب الاثنى عشرى، وهو نموذج يضع رجال الدين فوق الدستور والقانون والحياة السياسية، ويقدم نموذجا أقرب لروح الدولة الدينية الذى كان سائدا فى العصر الوسيط. هناك نموذج بدأ يصعد وهو النموذج الذى يمثله تنظيم القاعدة حيث التغيير من خلال تنظيم طليعى وبالقوة المسلحة، بعيدا عن الناس والجماهير حتى تفرض الطليعة رؤيتها على المجتمع.
هذه النماذج تتصارع اليوم ضمن موجات الثورة وترددها، ونجاح نموذج الثورة المصرية سيقطع الطريق على تلك النماذج الأخرى التى تراودها أحلام القفز على نموذج ثورتنا المصرية.