أذكر مقالا رائعا كتبه الكاتب الصديق محمود عمارة فى الزميلة «المصرى اليوم» قبل ثورة 25 يناير، وبالتحديد فى الأيام الأولى من العام عن «الأجندة»، وتناول نصيحة غالية وقيّمة وبسيطة، ذكرها له الموسيقار الكبير الراحل محمد عبدالوهاب أثناء تواجدهما معا فى باريس، تتعلق بأنه كى يكون الإنسان منظما ومرتبا ويحدد أهدافه، ويحاسب نفسه على ما أنجزه وما لم ينجزه كل عام، فعليه أن يأتى بأجندة فيها أيام السنة، ويحدد فيها بالتواريخ أهدافه خلال أيام العام، وكلما حقق شيئا من هذه الأهداف يضع علامة «صح» أمامه، ومع مرور أيام العام وحتى آخر يوم فيه سيكون الشخص أمامه الأجندة التى يستطيع من خلالها محاسبة نفسه ومواجهتها بتقصيرها إن قصرت، ويعد نجاحه مع كل هدف يحققه، وهكذا نكون أمام وسيلة بسيطة لكنها منظمة، يستطيع الإنسان أن يضبط نفسه من خلالها، ويستطيع أن يجعل له مرآة حقيقية.
استدعيت هذا المقال، وتذكرت ما فيه من نصائح، حين سمعت منتصف ليل الخميس خبر إعلان الرئيس دعوة الناخبين إلى انتخابات مجلس النواب، وتحديد الرئاسة لمواعيد الانتخابات على أربع مراحل، وبعد إعلان الخبر، فوجئنا بأن المواعيد التى تستهل بـ27 إبريل تتعارض مع احتفالات الإخوة المسيحيين بأعيادهم.
فى مساء أمس الأول، الجمعة، وبعد أقل من 24 ساعة من خبر دعوة الرئاسة للانتخابات، أذاع التليفزيون المصرى أن رئاسة الجمهورية ستؤجل المواعيد، لأنها تتعارض مع احتفالات المصريين بعيد شم النسيم، وهو العيد الذى يسبق أعياد المسيحيين مباشرة. لاحظ أن الرئاسة وحسب التليفزيون لم تعلن أن التأجيل بسبب أعياد المسيحيين، المهم أن تحديد الموعد ثم تأجيله يعنى أن الرئاسة بكل أبهتها وطاقم عملها من سكرتارية وأجهزة معلومات لا يوجد عندها أجندة.
القصد الرئيسى من «أجندة» الدكتور محمود عمارة- حسب نصيحة الموسيقار محمد عبدالوهاب- هو أن يضع الإنسان نفسه على خريطة حياة منظمة، ويضعها على مسار محدد حتى يعطى لأيامه معنى وقيمة، المهم فى ذلك أن تكون هناك «أجندة» شخصية، يعرف صاحبها من خلالها تواريخ الأيام التى ستكون دليل معرفتنا باليوم والساعة والثانية، طبعا لو لم يستطع الشخص امتلاك أجندة من الممكن أن يشترى «كشكول مسطر» تساوى صفحاته عدد أيام السنة، ويكتب التاريخ على كل صفحة فى كل صباح.
يجوز أن نعتبر تحديد الرئاسة مواعيد الانتخابات قد تم على عجالة، وأن العجالة جاءت من باب الحرص ولو لمرة واحدة من الرئيس مرسى على القانون والدستور، حيث الالتزام بإجراء الانتخابات فى موعدها كما نص الدستور، ويجوز التخيل أن الدكتور محمد مرسى أراد أن تموت المعارضة من الغيظ، فرفض طلبها بتأجيل الانتخابات وقرر أن يهديها خبرا سيئا فى منتصف الليل، ربما تأتيها سكتة قلبية أثناء النوم، ويجوز أن نتوقع أن جماعة الإخوان أكملت طبختها السرية الانتخابية، وتريد أن تلتهمها لسد جوعها، ويجوز أن نتوقع أن «الجماعة» مستعجلة على التنفيذ الكامل لـ«الأخونة»، وتترقب الانتخابات كى تنتهى منها.. يجوز كل ذلك، لكن هل يجوز أن تكون الرئاسة بلا أجندة فيها تواريخ الأيام، وهل يجوز أن المسؤول الذى جهز القرار لم تكن أمامه نتيجة مكتب؟